مجلس القضاء الأعلى: اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما نُشر في وفاة القاضي سمير بدر    لأول مرّة| حماية إرادة الناخبين بضمان رئاسى    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 3 ديسمبر بالتعاملات المسائية    بدء تحصيل الزيادة الجديدة فى قانون الإيجار القديم اول ديسمبر    رئيس جامعة طنطا: دعم كبير للمشروعات الفائزة بالمبادرة الرئاسية "تحالف وتنمية"    البيت الأبيض يقرّ بضربة ثانية على سفينة مخدرات.. ومخاوف من جرائم حرب تهز واشنطن    مجموعة مصر.. الأردن يضرب الإمارات بهدف على علوان في شوط أول نارى    انطلاق مباراة ريال مدريد أمام بلباو في الدوري الإسباني    تشكيل أرسنال - بن وايت أساسي.. وساكا وإيزي وتيمبر بدلاء أمام برينتفورد    في حوار ل"البوابة نيوز".. رامي حمادة يكشف سر فوز فلسطين على قطر وطموحات المباريات المقبلة    كأس إيطاليا.. أتالانتا يضرب جنوى برباعية نظيفة ويعبر إلى الدور القادم    5 وفيات و13 مصابًا وتوجيه بإزالة آثار الحادث    ضبط سلع تموينية وعجينة حواوشي فاسدة في حملة تموينية بالفيوم    انتهاء ترميم المبانى الأثرية بحديقتى الحيوان والأورمان    موعد ومكان عزاء المخرج علي سيد الأهل    محمد فتحي: خالد جلال صانع المواهب وقاعدة إطلاق النجوم    هل يجوز التصدق من أرباح البنوك؟| أمين الفتوى يجيب    قافلة طبية شاملة بالقرى التابعة للوحدة المحلية بسلمنت في الشرقية    أحمد فهمي يكشف تفاصيل رسالة هنا الزاهد بعد الطلاق    الناخبون يشيدون بأجواء سير الانتخابات بالدوائر الملغاة.. تقرير لإكسترا نيوز    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    أهالي السيدة نفيسة يوزعون الشربات على الزائرين في المولد.. صور    ما حقيقة انتشار الدواجن السردة بالأسواق المحلية وتأثيرها على صحة المواطنين؟    الخارجية السورية: وفد سفراء مجلس الأمن يزور دمشق    عون: لبنان تعب من المهاترات التي مزقته    بث مباشر مباراة أرسنال وبرينتفورد: قمة لندنية نارية لحسم صدارة الدوري الإنجليزي 2024-2025    الخامس في قنا.. القبض على " قرموش" لشراء اصوات الناخبين    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية: معايير جهار ترفع تنافسية القطاع الخاص    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية بمحيط لجان انتخابية في جرجا    لجنة إدارة الإسماعيلي تؤكد سعيها لحل أزمات النادي المالية وإنهاء قضايا الفيفا    إندونيسيا ترسل سفنا حربية لدعم عملية توزيع المساعدات في آتشيه المتضررة جراء الفيضان    العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني أعلم أنك تسمعني في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    ما مصير امتحانات الثانوية العامة بعد بلوغ «عبد الحكم» سن المعاش؟.. تفاصيل    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. انتصار السيسي: وجودكم يضيف قيمًا وإنسانية وجمالًا لا يُقدّر بثمن    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    وضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت إشراف مالى وإدارى بعد تعدى عامل على التلاميذ    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    توافد الناخبين للتصويت في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالإسكندرية| صور    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    الرئيس الكولومبي يحذر ترامب: مهاجمتنا تعني إعلان الحرب    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«جلال أمين».. فى حب الحياة والهروب من خيبة الأمل
نشر في المصري اليوم يوم 11 - 02 - 2010

سهولة قراءة كتب السيرة الذاتية لا تتساوى بأى حال مع صعوبة كتابتها. فبعد الانتهاء من «رحيق العمر» أحدث كتاب للدكتور جلال أمين تتبين قدر الجهد المبذول فيه، جهداً يستدعى زمنا ولى ويجعله ماثلاً أمام القارئ كأن وقائعه حدثت للتو. نقرأ هنا عمراً كاملاً وضعه أمامنا المفكر الاقتصادى المرموق فلم يكلفنا أى قدر من العناء كالذى تكبده مرتين: مرة فى تذكر أحداث عديدة بدقة شديدة ومرة فى كتابتها ببساطة تجلب المتعة.
لن يكون بوسعنا هنا أن نغنى القارئ عن «التهام» سطور هذا الكتاب الصادر حديثاً عن «دار الشروق». فجلال أمين سرد حكاياته بطريقة تجعله راويها الوحيد، فلن يكون بوسع أحد أن يقوم مقامه. يكتب مثلاً عن أمه وأبيه، عن فترة المراهقة، ودراسته فى لندن وزملاء البعثة، الماركسية والماركسيين، المعادى، أولاده، الاكتئاب، نكبة الكويت، الحراك الاجتماعى، 11 سبتمبر.
ويعتبر المؤلف كتابه هذا الجزء الثانى من «ماذا علمتنى الحياة؟» فهو استكمال له. يقول: «من المدهش حقاً مدى غنى حياة كل منا بالأحداث التى تستحق أن تروى والشخصيات الجديرة بالوصف. وقد دهشت وأنا أحاول استعراض حياتى من جديد، من كثرة ما لم أذكره فى كتابى الأول، لا لأنه لا يستحق الذكر، بل لمجرد أنه لم يخطر ببالى ذكره وأنا أكتب ذلك الكتاب. فجلست لأدون ما فاتنى وأرتبه، ولكن هناك أشياء تعمدت من قبل ألا أذكرها، ثم رأيت الآن أنه قد يكون من المفيد ذكرها».
الجديد والجرىء نوعاً ما فى هذه السيرة أن جلال أمين تكلم عن جوانب حياتية خاصة جداً تتعلق بالحديث عن الحب والزواج. وكان الرجل ذكياًَ، فعندما وصل إلى هذه النقطة فى سيرة حياته تذكر سيرة والده المفكر أحمد أمين الشهيرة التى كتبها بعنوان «حياتى». يكتب: «لابد أن أبى، أثناء كتابته لكتاب «حياتى» وجد نفسه عندما وصل إلى نقطة فى رواية سيرته الذاتية، مضطراً لا محالة للكلام عن زواجه وعن علاقته بزوجته. إذ كيف يمكن أن تخلو أى سيرة ذاتية صادقة من الكلام عن المرأة والحب والزواج؟ ومن معرفتى لأبى، ومن قراءتى لما كتبه بالفعل فى كتاب «حياتى» عن أمى وعن الحب والزواج، لا يعترينى أى شك فى أنه لابد أن تمنى لو لم يكن مضطراً إلى الكلام عن هذا الموضوع برمته. إنه لم يتخل عما التزم به من ألا يقول غير الحقيقة، لكنه أيضاً ،وكما نبهنا هو نفسه فى مقدمة الكتاب، لم يذكر الحقيقة كلها». لكن هل ذكر جلال الابن الحقيقة كلها؟ يبدو أنه فعل بدرجة كبيرة لأنه حكى لنا أموراً كان يمكنه ببساطة أن يتحاشى ذكرها، لكنه لم يفعل لأنه تحرى سيرة صادقة عن نفسه.
يكتب: «فى بداية حياتى فى لندن، مررت أولاً بعلاقة قصيرة جداً مع فتاة بولندية جميلة تدرس فى نفس كليتى. كنت أشتهيها وكانت تميل إلى ميلاً واضحاً، ولكنى أفسدت العلاقة بغيرتى الشديدة وعدم استعدادى لتصديق أن مثل هذه الفتاة الجميلة يمكن أن تفضلنى بالفعل على الآخرين، واعترتها هى نفس الدرجة من الدهشة من عدم تصديقى أن مثل هذا ممكن. فيما عدا هذه وتلك يمكن أن أعتبر تاريخى مع النساء، حتى وصلت إلى الرابعة والعشرين من عمرى كان يساوى صفراً. عندما أفكر فى هذا الأمر الآن، وقد تجاوزت السبعين، كم تبدو لى الخسارة فادحة! إذ لا شك فى أن حرمانى الشديد من أى علاقة حميمة بالجنس الآخر حتى تلك السن، قد أضاع منى طاقة وجهداً بل أضاع وقتاً ثميناً؛ نتيجة التوتر العصبى الناتج عن هذا الحرمان، فضلاً عما لابد أن أدى إليه من توجيه تفكيرى إلى مجالات غير عقلانية وخيالات لا جدوى منها، ناهيك بالطبع عن المتعة والسعادة الضائعتين بسبب هذا الحرمان».
ثم يواصل الكاتب سرد حكايته المرتبطة بالنساء بصراحة غير معهودة إلا من بعض المبدعين من الروائيين والشعراء. ويبقى الفصل الأخير من «رحيق العمر» أكثر فصول الكتاب تأثيراً وكان بعنوان: «لماذا تخيب الآمال» نقرأ ما كتبه أستاذ الاقتصاد بعد مرور أربعين عاماً على عودته من بعثته الدراسية فى لندن: «أجد أن الحياة لم تعاملنا المعاملة التى كنا نريدها أو نتوقعها» ويشير إلى سبب أساسى لخيبة الأمل بخلاف الأسباب التى قد يشترك فيها الحيوان مع الإنسان مثلاً حين يضعف الجسد ويفرق الموت: «هناك سبب لخيبة الأمل لا يعرفه الحيوان، أو الأرجح أنه لا يعرفه بنفس الدرجة، وهو قوة الخيال التى تدفع الإنسان إلى أن يمتد بآماله إلى آفاق بعيدة، فلا يتوقف عند الآمال التى يمكن تحقيقها». «نحن نتطلع إلى هدف ونتلهف على تحقيقه، فإذا حققناه سرعان ما نفقد الحماس له، بل ربما فقدنا حتى الرغبة فيه، فنتطلع ونتلهف إلى ما هو أبعد عنه، ثم نفقد الحماس وربما الرغبة فى هذا أيضاً بمجرد فوزنا به، ونتطلع إلى ما هو أبعد منه فإذا به عصى صعب المنال، فنصاب بخيبة الأمل».
لكن رغم عنوان هذا الفصل ورغم «حكمة» السابقة التى حلل بها الإحساس بخيبة الأمل، فهو يعتبر نفسه سعيد الحظ: « لا أتردد فى اعتبار نفسي سعيد الحظ على الرغم من كثرة ما تعرضت له فى حياتى، مثلما تعرض غيرى، من حالات خيبة الأمل. سعيد الحظ بأبى وأمى وإخوتى، وبزوجتى وأولادى، بوظيفتى وكتاباتى. ولكنى أعتبر أن أهم ما كنت سعيد الحظ فيه هو ما ولدت به من ميل طبيعى للانشغال بمشكلات عقلية ومحاولة حلها، فقد كان هذا مصدر سرور مستمر لى، سواء وصلت إلى حل للمشكلة أو لم أصل». كان يسعد أمين ويسره حسبما أشار حين يُدرس بالجامعة، حين يعد المحاضرات ويُلقيها وحين يكتب أو حتى حين يُفكر بشكل مجرد «حتى لو لم يسفر عن كتابة أى شيء أو عن إلقاء أى محاضرة». مصادر السرور هذه ضرورية للإنسان كما يوضح جلال أمين ولا يمكن أن يفسدها أى شعور بخيبة الأمل تماماً مثل مصدر السرور المستمر لعاشق أى فن من الفنون.
ولعل أبلغ فقرة أوردها أمين فى كتابه تلك التى يلخص بها وجهة نظره فى الحياة باعتبارها نعمة كبيرة ورائعة: «أنا أعتبرها نعمة رائعة لهذا السبب: هذا الميل الذى رزقت به لمحاولة الفهم والتفسير. كثيراً ما كنت أقوم من النوم فأتذكر بعض الأشياء الباعثة على الضيق، وأخرى تبعث على السرور، ثم أتذكر فجأة شيئاً يتعلق بموضوع كنت أكتب فيه فى اليوم السابق، فيسرى النشاط فى عروقى ، ويحفزنى هذا على مغادرة السرير بسرعة، فأتركه فى سرور، لكى أعود لمواصلة ما كنت أفعله بالأمس».
لعل كتاب «رحيق العمر» قد ولد بهذه الطريقة فى ذهن صاحبه..ربما كتبه ليشعر بالسرور ويمنحنا الأمل الذى لا نريده أن يخيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.