كانت مفاجأة اليوم الأول فى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى ال67 (1-11 سبتمبر) - حضور رئيس جمهورية إيطاليا جورجيو نابوليتانو حفل الافتتاح من دون إعلان، فقد اكتشف وجوده أحد الحاضرين فوجه إليه التحية مما لفت أنظار الحضور فوقفوا يصفقون له، وبقدر ما كانت مفاجأة اليوم الأول سعيدة كانت مفاجأة اليوم الأخير غير سعيدة بفوز الفيلم الأمريكى «مكان ما» بالأسد الذهبى رغم وجود العديد من الأفلام التى تفوقه! وقد حرص رئيس اللجنة المخرج الأمريكى كوينتين تارانتينو على أن يقول فى المؤتمر الصحفى الذى يعقب إعلان الجوائز إن الفيلم فاز «بالإجماع» حتى لا يقال إنه أعطى أكبر جائزة فى أعرق مهرجان لفيلم من إخراج صديقته السابقة صوفيا كوبولا! المشكلة فى قرارات اللجنة أنها جعلت جوائز مسابقة ال24 فيلماً للسينما الأمريكية الأقوى فى العالم والسينما الأوروبية وهى القوة الثانية، وتجاهلت القوة الثالثة فى آسيا، والرابعة الطالعة فى أمريكا الجنوبية، وكان عدد الأفلام الأمريكية 6 (الربع تماماً) والأوروبية 12 (النصف تماماً)، كما تجاهلت اللجنة الأفلام الإيطالية (4) والأفلام الفرنسية (3)، أى 7 من أفلام أوروبا ال12! وليس المقصود بالطبع أن «توزع» الجوائز جغرافياً، ولا أن يكون للسينما الإيطالية وضع خاص باعتبارها بلد المهرجان، أو للسينما الفرنسية باعتبارها الأكبر فى أوروبا، وإنما لأنه كان من بين الأفلام الإيطالية «نحن المؤمنون» إخراج ماريو مارتونى الذى جاء من الأفلام التاريخية الكلاسيكية، ولكنه فيلم كبير عن الكفاح من أجل وحدة إيطاليا، ويأتى فى موعده عشية الاحتفال بمرور 150 سنة على هذه الوحدة العام المقبل، وكان من بين الأفلام الآسيوية الصينى «الخندق»، ومن أمريكا الجنوبية الشيلى «بعد الموت» وكلاهما من الأفلام الجديرة بالفوز، وكان من بين الأفلام الفرنسية «فينوس السوداء» إخراج عبداللطيف قشيش، وكان إحدى ثلاث تحف جديرة بالأسد الذهبى مع الروسى «أرواح صامتة»، والبولندى «قتل ضرورى»، وبينما فاز هذان بثلاث جوائز، لم يفز فيلم قشيش بأى جائزة! فى «فينوس السوداء» يعبر الفنان التونسى الأصل على نحو فذ عن قضية من أهم القضايا فى تاريخ الإنسانية، وهى «العنصرية»، أى أن تعتبر مجموعة من البشر نفسها «أفضل» عرقياً من مجموعة أخرى، وذلك من خلال حياة وموت سارتى بارتمان (1770 - 1815) التى ولدت فيما يعرف الآن ب«جنوب أفريقيا»، وبيعت كعبدة، ونظراً لضخامة جسدها استخدمت كالحيوان فى عروض للفقراء فى لندن وللأثرياء فى باريس، ثم بيعت إلى بيت دعارة، وماتت من المرض فى شتاء فرنسى قارس، وبعد موتها بيع جسدها لعالم التشريح الفرنسى جورج كيوفير الذى توصل بعد عامين من دراسة جثمانها إلى أنها تنتمى إلى مخلوقات «أدنى» من البيض! وبعد انتهاء الحكم العنصرى فى جنوب أفريقيا طلب مانديلا من فرنسا إعادة جثمان سارة، ولكن طلبه رفض، وفى عام 2002 وافق البرلمان الفرنسى، ودفنت سارة حيث ولدت. [email protected]