يقول المازنى «الشىء فى ذاته لا يبعث على سخط أو رضا ولا يكون غرضا لذم أو مدح، وإنما يكون هذا أو ذاك حين تقيسه إلى المثل العليا وتجريه على صورها وتقرنه بها».. هذا هو حالنا مع ممارسات إعلامنا الرياضى التى تشير بحق إلى أزمة مجتمع تداعى بناؤه وتحللت أوصاله، فالمحصلة بعد أعوام من انتشار فضائى رياضى غير مسبوق، ابتذال وإسفاف وشتائم وقضايا ومحاكم، واختلاط للجد بالهزل والرسالة بالهوى والأخلاق بالانحلال. لقد جاء الإعلام الرياضى بأسوأ ما فيه، تعصب وغضب وتناحر دون منافسة وسمو ورقى، فسادته أوهام الجهالة والولاء للغرض، وانتقل بكل أمراضه إلى منازلنا من خلال وجوه تحمل سمات العامة من عشوائية التفكير والخواء والشخصنة، فصارت منابرهم دعوة صريحة يومية إلى الانحطاط يضاف إلى جملة عوامل كثيرة انحدرت بنا إلى درك مظلم لا نلمح فى منتهاه نورا. هذه الوجوه التى تطل علينا يوميا، متناقضة، غارقة فى ذاتها، تظن أنها تملك الحقيقة، لكنها لا تدرى أنها فى الأصل تعبير جيد عن تراجعنا، فالمجتمعات المريضة الراسبة لا تحتفى سوى بالخبيث وتطرد الطيب. أحدهم يدعى دائما الموضوعية ويصنع من نفسه أمام المشاهدين قديسا مرتكنا إلى ميراث شهرة سابق، وإذا نعته بصفة فلن تجد سوى «البراجماتى الذى يعرف من أين تؤكل الكتف»، والآخر يخلع على نفسه صفات المعرفة والعلم ببواطن الأمور، لكنها قشرة الحضارة والروح جاهلية، فيداوم بعبث على استخدام دلالات وإشارات من أشعار وأدعية دينية لاستهداف آخرين، فدعا ذات مرة الحجاج فى أحد برامجه للدعاء على رئيس جهاز الرياضة لمجرد أنه يختلف معه، وثالث يتدخل فى انتخابات الأندية بالانحياز لجبهة دون أخرى ورابع يجلس على الهواء لساعات وكأنه مصطبة. لم يدرك هؤلاء أن أهم برامج رياضية ليست برامجهم بل برامج أخرى تذاع على فضائيات عربية تلتزم بنسق وقالب يبهج المشاهد ويمنحه متعة بلا حدود ولنا فى مصطفى الأغا النموذج على الأداء المهنى الراقى. معظمهم إلا من رحم ربى، يبين من حديثه عقل وقلب «خاوى» يشبه صحراء لا توجد فيها واحة واحدة، تدفعه إلى أن يستظل بالوقاية من موارد الظن والسمعة، من خلال القسوة على نفسه والتعالى على السفاهة، ولكنها موهبة الجهالة تحاصرهم لدغدغة مشاعر العامة. يتوهم هؤلاء أنهم يؤدون رسالة، صنعت لهم الشعبية غير أنها زائفة مثل أحلام شخص يموت عطشا بالماء فى نهار قائظ، فإطراءات الشارع تغوى مثل الفتاة اللعوب، ويظن هؤلاء أنهم يصنعون المعجزات بقدرتهم على تحريك النفوس، فيلجأون إلى المزيد من الإثارة لأنها الطريق الأقرب للنفاذ إلى القلوب العاشقة للغواية، الناظرة دوما إلى نصف الكوب الفارغ، لتمنحها صبرا على أوضاع قاسية لا تجد منها مخرجا وتنفيسا سوى فى مهاترات الرياضة والمعارك المختلقة، بعد أن تعايشت مع الخضوع والخنوع كعادة بعض الشعوب النهرية التى تبحث فقط عن سد حاجاتها الغريزية دون أن ينظروا إلى الإنسان بداخلهم، واحتياجه إلى كرامة قبل أن يبحث عن حاجات جسده. لن أذكر أسماءهم لأنهم من وجهة نظرى أطفال يرسمون خطوطا ساذجة لا تعنى شيئا سوى لضعاف العقل والبصيرة، وأكتفى بالإشارة إلى القضية التى أعتبر أن المسؤول عنها أصحاب هذه القنوات الذين لم يضبطوا الأداء وساهموا فى الغى، وساعدوا فى صناعة وحش ومسوخ، الوحش هو الجهل، أما المسوخ فهم الداعون إليه، مجرد أحجار سخطها سحر الهوى تنتظر منا جميعا فرحة الحياة المستردة، التى تبدأ بأسئلة لا تحتمل الاختيار ولا تقبل التجاهل والاختصار، لأنها واجبة وجوب حماية الناس من أوهام عامة يقودون العامة. [email protected]