اللقطات الأخيرة باستعراض الرجل الطائر قبل وف*اته بالغردقة    وكيل زراعة سوهاج: انطلاق الحملة الاستكشافية لمكافحة دودة الحشد بزراعات الذرة الشامية    الدنمارك وهولندا تبديان استعدادهما للمشاركة في خطة ترامب لتسليح أوكرانيا    70 شهيدا فلسطينيا منذ الفجر بنيران وغارات الاحتلال الإسرائيلي على غزة    سام مرسي يقترب من الكويت الكويتى فى وجهة مفاجئة    البنك الأهلى يهزم نجمة سيناء بسداسية وديا فى فترة الإعداد    بلحاج: لم أتلق عرضا للعودة إلى الزمالك.. والوداد فاوضنى للعب معه فى مونديال الأندية    الحنفى يكشف سبب اعتزاله التحكيم ووجهته المقبلة    الإعلان عن القائمة القصيرة لجائزة خالد خليفة للرواية في دورتها الأولى    مها أبو بكر: "القايمة" حق شرعي وضروري لحسم الخلافات بالعدل    الرئيس الإماراتي يبدأ اليوم زيارة لتركيا لبحث التعاون الثنائي والقضايا محل الاهتمام المشترك    العكلوك: إسرائيل قتلت 60 ألف فلسطيني وتبحث عن انتصار سياسي    السفير مهند العكلوك: "مؤسسة غزة الإنسانية" أداة حرب وإبادة جماعية وليست جهة إغاثة    ميرنا كرم تحتفل بتخرجها بامتياز بمشروع عن روحانية القداس المسيحي    "مياه بني سويف" تنفذ 300 وصلة ضمن المرحلة الأولى لبروتوكول التعاون مع اليونيسف    ورشة عمل بدمياط لمراجعة منظومات المياه والصرف لتحقيق الاستدامة    سام مرسي يقترب من الانتقال إلى نادي الكويت    الزمالك يتدرب على فترتين غدًا في معسكر العاصمة الإدارية    رابع الصفقات.. الأهلي يضم ميرسي أتوبرا لتدعيم هجوم فريق السيدات    شوبير يكشف ما قاله أحمد عبدالقادر بعد أنباء اتفاقه مع الزمالك    «القانون فوق الجميع».. شوبير يتقدم ببلاغ ضد نجم الأهلي السابق    مقتل شاب على يد والد زوجته وأشقائها بشبرا الخيمة    أسيوط: مصرع وإصابة 24 شخصا في حادث مروع بموكب زفاف على طريق محور ديروط    العكلوك: الوقت من دم وغزة تنزف منذ أكثر من 650 يومًا    الأمم المتحدة: سوء التغذية تضاعف في غزة    قصور الثقافة تواصل برنامج "مصر جميلة" بورش تراثية وفنية بشمال سيناء    أحمد هنو عن انتقاد أعمار أعضاء المجلس الأعلى للثقافة: هجوم كبير لا أعرف دوافعه.. وميصحش إنه يتقال    سارة «بنت الشرقية» تحدت المستحيل وحصدت المركز الأول في الثانوية التجارية    قنا.. خمسيني يرتكب جريمة بشعة تهز قرية المحارزة: ذبح والدته وفصل رأسها عن جسدها    رئيس الوزراء يتابع إجراءات تنفيذ الخطة الاستراتيجية لتحلية مياه البحر    رئيس جامعة المنوفية يشهد عددًا من الاجتماعات الأكاديمية الهامة بجامعة لويفيل الأمريكية    القضاء الإداري: تأييد إدراج 6 مرشحين لانتخابات الشيوخ.. وترك الخصومة في طعنين    وزير العمل يستقبل وفدًا من الشركة الروسية العاملة في مشروع الضبعة    عاجل- ارتفاع درجات الحرارة غدًا وأمطار رعدية متوقعة على بعض مناطق جنوب مصر    سماع دوي انفجار داخل محطة وقود برمسيس.. ومصدر يكشف التفاصيل    دموع حزبية على صندوق الانتخابات    المناهج والحصص والمواد المضافة للمجموع.. قرارات عاجلة من التعليم بشأن العام الجديد    بعد موافقة برلمان العصابة …مراكز حقوقية تحذر السيسي من التصديق على تعديلات قانون الإيجار القديم    للبيع بالمزاد العلني.. طرح أراضٍ سكنية غرب طريق الأوتوستراد -تفاصيل    "حصان وبحر وشلال".. رنا رئيس تستمتع بإجازة الصيف أمام أحد الشواطئ    ب«الحجاب».. ياسمين عبدالعزيز تشارك كواليس زيارتها لمسجد الشيخ زايد الكبير (فيديو)    الشيخ خالد الجندي: وصف وجه النبي صلى الله عليه وسلم    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. أمين الفتوى يفجر مفاجأة    هل يصل ثواب ختم القرآن كاملًا للمتوفى؟.. أمين الفتوى يجيب    ما الفرق بين المتوكل والمتواكل؟.. محمود الهواري يجيب    محافظ الجيزة: "100 يوم صحة" تستهدف إيصال الخدمات الصحية لكافة المواطنين    متحدث الصحة يكشف تفاصيل مبادرة "100 يوم صحة".. ماذا تقدم؟    هل القيء الصباحي علامة على جرثومة المعدة؟    بيت الزكاة والصدقات يقدم الدعم ل 5000 طفل بقرى محافظة الشرقية    مستشفى سوهاج العام تحصل على المركز الثانى فى إجراء جراحات العظام    لليوم الثالث.. انتظام أعمال تصحيح الشهادة الثانوية الأزهرية بالقليوبية    اليوم نظر محاكمة عامل متهم بقتل زوجته فى الطالبية    برج السرطان.. حظك اليوم الثلاثاء 15 يوليو: احذر    «القاهرة للعرائس» يستقبل الأطفال ب رائعة فردريش دورينمات في عرض «قطرة ندى»    نيسان تعتزم إغلاق مصنعها الرئيسي في أوباما بحلول مارس 2028 لخفض التكاليف    الصحة: بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    القومي لحقوق الإنسان ينظم ورشة عمل حول مقترح قانون الأحوال الشخصية الجديد    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اصطباحة
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 10 - 2009

الأبوة أساساً تضحية، ولذلك قررت أن أصطحب ابنتى إلى المدرسة لكى نشهد سوياً وقائع الاحتفال التاريخى بأول يوم دراسى لها فى سنتها الأولى الابتدائية، كان من الواضح أن ابنتى مقدرة لتضحيتى التى جعلتنى أؤجل موعد نومى من السابعة صباحاً إلى التاسعة صباحاً خصيصاً من أجلها،
ولذلك كانت تزغدنى كل دقيقتين «بابا انت هتنام ولا إيه»، عندما حاولت أن أتغلب على رغبتى الجارفة فى النوم بترديد نصائح الوقاية من أنفلونزا الخنازير وجدت أن ابنتى تحفظها عن ظهر قلب وتؤديها بنفس طريقة ونبرة مذيعى إعلانات وزارة الصحة، بل وأخرجت لى من حقيبتها مصداقاً لكلامها الكمامة والصابونة المطهرة والمناديل المطهرة وبخاخ الأسطح المطهر، حتى إننى توقعت أن تخرج بالمرة مصل أنفلونزا الخنازير الذى لم تأت به الحكومة بعد.
«أنا كنت عارفة إنك هتعمل كده يابابا»، قالتها لى ابنتى قرب باب المدرسة بخيبة أمل كانت واضحة برغم تغطية الكمامة لأغلب معالم وجهها الجميل، «إزاى تنسى الكمامة بتاعتك..
افرض إنك عَديت حد من زمايلى.. نبقى عملنا إيه؟»، صوتها العالى المتحمس جعل المنطقة المحيطة بنا تخلو من البشر فى لحظات، فقد ظن الذين استمعوا إلى كلامها أننى هربت من حميات العباسية لكى أحضر هذه اللحظات السعيدة، اضطررت للجوء إلى المنطق الذى أحسم به كل نقاشاتى مع عقلها المصمم ضد الازدواجية «بس يابت بلاش لماضة»، لم أكن قد أعطيتها المصروف بعد،
ولذلك بدا كلامى مقنعاً، اتجهنا سوياً إلى باب المدرسة ونحن نتمتم بآية الكرسى والمعوذتين والفاتحة، ولولا قصر المسافة لقرأت سورة يس والسبع المنجيات، اكتشفت أن إفراطى فى الشحن المعنوى جعل ابنتى تتعامل مع كل طفل يمر إلى جوارنا بوصفها خطراً محتملاً، لم تعد حريصة فقط على عدم الاقتراب من أقرانها، بل أصبحت تقريباً تمشى بالورب لكى لا يصطدم كتفها بأى جزء آدمى، أشفقت على فلذة كبدى من نظرات السخرية التى ارتسمت فى عيون فلذات أكباد الآخرين، فملت عليها قائلاً «على فكرة يا حبيبتى الأنفلونزا مش بتتنقل بلمس الأكتاف.. هو الخطر فى الإيدين أكتر»، نظرت إلىّ بابتسامة من ترثى لجهلى البَيِّن وقالت:
«طب افرض إن فى حد عنده أنفلونزا عطس على كتف حد تانى والكتف ده لمسنى مش كده أنا لو لمست كتفى بعدها ممكن أتعدى». باغتنى الندم وكدت أهوى باكياً على الأرض مستغفرا ربى لما فعلته أنا والمجتمع والناس بمشاعر هذه الطفلة التى ألومها الآن لمبالغتها فى ردود أفعالها، متناسيا أنها تعرضت لكميات مهولة من إشعاع التحذيرات كافية لأن تجعل جبال الإنديز متصدعة من خشية المرض.
على باب المدرسة استوقفنا رجل جاد الملامح حاد النظرات يحمل فى يده عبوة بها صابون سائل، أشار لنا بطرف عينيه إلى أيدينا فمددناها إليه طائعين، بخ علينا الذى فيه النصيب، ثم قال لنا بلهجة ماريشالية: «ادعكوا إيديكو»، ونحن امتثلنا ودخلنا مبتهجين لأن الفيروسات لا يمكن أن تدخل مدرسة يقف على بابها حارس عتيد مثل «عمو البخاخ» كما أسمته ابنتى.
لم تكن المدرسة مزدحمة كما توقعت فخمنت أن أغلب الأهالى فضلوا أن يحتفلوا بهذا اليوم التاريخى مع أبنائهم فى البيت، لم أكن أعرف أننا وصلنا متأخرين عن موعد المدرسة نصف ساعة، «مدارس آخر زمن التى تبدأ الحصة الأولى فى السابعة والنصف، لعنة الله على التعليم وسنينه»،
قلت ذلك فى سرى قبل أن أحكم قناع الوعظ على وجهى وأفتح صفحة «فضل الصحيان بدرى» وأقرأ منها ما يذكر ابنتى بأن الرزق فى البكور وأن الاستيقاظ مبكراً يتيح لنا فرصة شم الهواء النقى الذى تفرزه طبقة الأوزون التى خرمها رجال الأعمال أعضاء أمانة السياسات، وهى العظة التى تنتهى عادة بسؤال ابنتى لى «طيب يا بابا انت ليه مابتنامش بدرى وبتسهر طول الليل؟»،
وهو السؤال الذى ألهمنى الله بإجابة محكمة له «عشان ما آخدش نصيبك فى الأوزون يا حبيبتى.. الأبوة أساساً تضحية». أدخلت ابنتى إلى فصلها الذى كان شبه خاو على كراسيه، أخذت المدرسة تنظر لى مستغربة وأنا أوصل ابنتى إلى كرسيها كأنها مسافرة إلى الجبهة، وسط نظرات الحسد المنبعثة من شرذمة من زملائها الذين قرروا مواجهة أنفلونزا الخنازير، قبل أن أميل عليها وأقول بحنان مسرحى: «اوعى حد يلمس كتفك».
عدت إلى البيت راضياً عن نفسى، وما هى إلا ساعة أو قل ساعتين حتى شعرت بأعراض الأنفلونزا تداهمنى، أعرف هذه العطسة التى تسمع فى القفص الصدرى جيداً، أزحت الخنازير التى تتراقص أمام عينى،
وجريت نحو الموبايل لأتصل بالمدرسة وأطمئن على ابنتى محاولاً تبين الثغرة التى نفذت منها الأنفلونزا، وحامداً الله على أننى بادرت بتطعيم ابنتى بلقاح الأنفلونزا الموسمية، وسط رنين الجرس تبين لى من أين داهمتنى الأنفلونزا، إنه رجل البخاخة، من فرط حرصه على أن ندعك أيدينا، نسى وعطس فى وجهى. يرحمنى الله.
* يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.