الدنيا مقلوبة هذه الأيام، فى الولاياتالمتحدة، على رأس المذيع الشهير «ديفيد ليترمان»، الذى يقدِّم واحداً من أهم برامج «التوك شو» الأمريكية على قناة C.B.S! فالرجل وجد نفسه فى المحكمة متهماً بإقامة علاقات مع موظفات من طاقم برنامجه، وقد تبين أن الذى ذهب به إلى المحكمة واحد من العاملين فى البرنامج، وقد راح يهدده على سبيل الابتزاز بنشر ما لديه من معلومات، عن تلك العلاقات، ما لم يدفع «ديفيد» 2 مليون دولار! الغريب أن «ليترمان» اعترف بأنه أقام علاقات من هذا النوع فعلاً، ولكنه قال إن موضوعاً كهذا أصبح من الماضى، وصار وراء ظهره، وإن ذلك كان زمان، وإن الموضوع الآن لا يشغله ولا يفكر فيه لحظة، ثم راح يعتذر لزوجته التى تقبلت الاعتذار، والتفت الرجل إلى البرنامج الذى يحظى بنسبة مشاهدة عالية للغاية، وكان المثير للدهشة أن استطلاعاً جرى بعد الأزمة التى تعرض لها البرنامج وصاحبه، فكشف عن ارتفاع معدل المشاهدة رغم ما حدث! ولكن.. ليس هذا على بعضه هو الموضوع، وإنما الموضوع الحقيقى أن البرنامج سرعان ما طوى المسألة كاملة، وجاء بالرئيس «أوباما» ضيفاً يتكلم إلى الأمريكان. وكان الحديث كله عن قضايا من نوعية التأمين الصحى الذى يصمم «أوباما» على مد مظلته لتشمل 50 مليوناً لا يشملهم إلى الآن، ثم قضية الوجود الأمريكى العسكرى فى الخارج، وكيف يمكن أن يكون له حل فى المستقبل القريب، وما الذى يمكن أن يفعله الرئيس إزاء مشكلة فى حجم ما يجرى لقواته حالياً فى أفغانستان، وكيف يمكن له أن يفى بوعوده الانتخابية التى كان قد تعهد بها للناخب الأمريكى، وقت أن كان لايزال مرشحاً للرئاسة، خصوصاً وعوده المتصلة بقدرة بلاده على الاستغناء تماماً عن الطاقة المستوردة فى ظرف عشر سنوات من الآن! ولو أنك جربت أن تنتقل بالريموت إلى برنامج شهير آخر يقدِّمه «لارى كنج» على قناة C.N.N، فسوف تكتشف أن وزن القضايا التى يناقشها «كنج» لا يقل بحال من الأحوال عما يدير «ديفيد ليترمان» حوله النقاش.. فإذا قارنت الاثنين معاً، ببرنامج «هارد توك» الشهير الذى يقدمه «تيم سبيسبيان» على B.B.C، وكيف أنه فى حلقته الأخيرة كان يحاصر مندوب إيران فى منظمة الطاقة الدولية بفيينا، فلا يكاد يترك له ثغرة يتنفس منها، فسوف ترى كيف أن مثل هذه البرامج، خارج حدودنا، إن لم تكن منصات لإطلاق الأفكار، طول الوقت، فهى تتسامى بفكر الناس، وعقولهم، ووجدانهم! حول قضايا كهذه، يتجادل العالم من حولنا، ويبحث عن الماء فوق سطح القمر، ونحن ننام ونقوم فى أحاديث الزبالة، والخنازير، والسحابة السوداء، فإذا لم تكن هذه كلها كافية، فعندنا معركة النقاب التى كان فيها شيخ الأزهر شجاعاً، وكانت الدولة، ولاتزال، متخاذلة عن الوقوف إلى جواره، بصورة تدعوها إلى الخجل من نفسها!