لا أعرف متى بالضبط بدأ الإيمان بفكر المؤامرة، أو متى بدأ أصلاً، أو بأن أى فشل أو أى مشكلة وراءها أسباب خارجية تآمرية ليس لنا يد فيها وليست نابعة من داخلنا أو أننا نحن المتسببون فيها. هذه الطريقة فى التفكير ومعالجة القصور بعيدة تمامًا عن الواقع وفاشلة مائة بالمئة فى تشخيص الأسباب أو إيجاد الحلول، وبالتالى على مستوى الدولة قد تتسبب فى انهيارها لأن الحكومة ترمى على أسباب غيبية وهمية وليست أسبابًا حقيقية موجودة أمامها يجب أن تبحثها وتتعامل معها. ولن نذهب بعيدًا، ففى مسألة اليونسكو وفاروق حسنى، أعجبتنى جملة قالها سعد الدين إبراهيم فى مقال له فى «المصرى اليوم» تقول: (قالت مصر الرسمية: «نجح التحالف الأوروبى الأمريكى مع اللوبى اليهودى فى هزيمة المُرشح المصرى لمنصب مدير عام اليونسكو، فاروق حسنى، وزير الثقافة، وخسر حسنى أمام مُنافسته البلغارية إيرينا بوكوفا». وليس أسوأ من إخفاق المُرشح المصرى إلا مُحاولة تضليل الرأى العام، بالإيحاء له بأن ثمة مؤامرة عالمية أوروبية أمريكية إسرائيلية ضد مصر والعرب والمسلمين. والذين يُروجون لفقه المؤامرة، هم الأخطر على مصر فى الأجل الطويل. هذا على مستوى حدث دولى كان يجب علينا البحث فى أسبابه ومعالجة أوجه القصور فيه ضمانا لعدم تكرار ذلك، ولكن كان الأسهل والأضمن أن يتم تسويق هذا الفكر وهذه الأسباب. وتلك الطريقة فى التفكير موجودة على مستوى الأحداث المحلية أيضا، فعندما تثور مشكلة طائفية فى شارع بقرية من قرى الصعيد التى لم تدخلها الكهرباء ويشرب أهلها من «الترعة» حتى الآن ويتم احتواء المشكلة يخرج علينا المسؤولون، وما هم بمسؤولين، ويبشروننا بأن «المشكلة» تم احتواؤها وأن هناك «مؤامرة خارجية» على مصر و«أذرعًا خفية» تحاول النيل من استقرار البلاد.. «كلام كبير قوى».. أى قوى تلك التى جعلت من خناقة فى قرية، غير موجودة على الخريطة أصلاً، هدفًا لها وأى دولة خارجية خططت لجعل مواطن يقتل آخر على ثمن زجاجة حاجة ساقعة؟! أليس هذا إيمانًا بفقه المؤامرة وتسويقًا له لدرجة أن رأيا غريبًا خرج علينا وقت أن انهارت دول النمور الآسيوية وأكد أنها مؤامرة أمريكية يهودية صهيونية أرادت لهذه الدول ألا تستقل بقرارها رغم أنها دول مستقلة وقوية؟! وتطبيقاً لفقه أو فكر المؤامرة على الأزمة العالمية التى بدأت فى الولاياتالمتحدة وامتدت إلى العالم ونعانى منها إلى الآن يجب أن نطرح سؤالاً: مَنْ تآمر على أمريكا ومن بعدها العالم وخلق هذه المشكلة؟.. يبدو أنها كائنات فضائية لأننى لا أستطيع أن أقول نحن العرب أو نحن المصريين لأننا «الأضعف»، والأضعف هو من يفسر الوقائع بالتفسير التآمرى، وهى دولة قوية. والسؤال هنا: هل كل مشكلة تواجهنا ولا نستطيع حلها أو لا نريد بالأحرى حلها- المشاكل الطائفية- يتوجب علينا أن يتوجه تفكيرنا أو يتم توجيهه إلى التفسير التآمرى للأشياء وأن ثمة قوى متربصة بنا؟ العقل العربى، والمصرى على وجه الخصوص، الذى أصبح مؤمنًا إيمانًا تامًا بالتفسير التآمرى للتاريخ وللواقع الذى نعيشه، دائما ما يلجأ إلى الحل السهل وهو نظرية المؤامرة، وللأسف فإنه يلقى قبولاً من الشارع والأخطر أن النخبة تروج له. المختصر المفيد: عندما نلمس الجانب الطيب فى نفوس الناس.. نجد أن هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه العيون أول وهلة. [email protected]