انتهينا فى الأسبوع الماضى إلى أن عقدة النظام من الإخوان المسلمين اعتقاده أنهم البديل الذى تتطلع إليه أنظار الأمريكيين والأوروبيين وفتح قنوات الحوار معهم، تحسباً لوصولهم للحكم. وفكرة البديل وتحولها إلى شبح يثير قلق النظام ظهرت بعد عودة حزب الوفد بزعامة المرحوم فؤاد سراج الدين إلى الحياة السياسية فى 4 فبراير سنة 1978، وكانت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى برئاسة المرحوم الدكتور مصطفى خليل -وكانت لاتزال موجودة رغم الأخذ بالتعددية الحزبية عام 1976- قد أجلت الموافقة على قيام الحزب إلى هذا التاريخ ليتوافق مع ذكرى محاصرة الدبابات البريطانية قصر عابدين عام 1942، لإجبار الملك فاروق على إقالة الحكومة الممثلة لأحزاب الأقليات لشكوك بريطانيا فى تعاطفها مع ألمانيا وإيطاليا فى الحرب العالمية الثانية، خاصة مع اقتراب قوات روميل من مرسى مطروح، وتكليف زعيم حزب الوفد خالد الذكر مصطفى النحاس باشا بتشكيل الحكومة، لأنه الذى وقع مع بريطانيا معاهدة سنة 1936 ومن يومها وخصوم الوفد يتهمونه بأنه جاء على الدبابات البريطانية مع أن قبوله تشكيل الوزارة كان قراراً سليماً. وكان هدف النظام أن يطلق على الوفد عبارة «حزب 4 فبراير»، وهو ما حدث فعلاً لكن المفاجأة التى أذهلته أن الوفد اكتسب شعبية كبيرة، وبدأ الحديث فى أمريكا والدول الأوروبية عن ظهور بديل له وضرورة فتح قنوات اتصال معه، خاصة أن علاقات الوفد بأوروبا لها جذور، وكان السادات يعمل جاهداً ليكون نظامه قاعدة حقيقية للسياسة الأمريكية وليقوم نيابة عنها بالتصدى للشيوعية فى أفريقيا لدرجة أنه أبدى استعداده علناً للانضمام لحلف شمال الأطلنطى فيما بعد ولهذا بدأت الحملات ضد الوفد واتهامه لا بالعمالة للغرب وإنما بدأت عملية تسريب أخبار عن تلقيه دعماً من الكويت والسعودية، باعتباره ممثل الرجعية الذى يريد إعادة نظام ما قبل ثورة يوليو. وصدرت سلسلة القوانين التى أعادت العزل السياسى وفرضه على قيادات الوفد فأسرع الحزب بالإعلان عن تجميد نشاطه فى الأول من يونيو من السنة نفسها 1978 لمنع اعتقال قادته إذا مارسوا نشاطهم السياسى وأصبحوا بذلك أول محظورين قبل أن ينال الإخوان هذا اللقب. واللافت أنه منذ تجميد الوفد نشاطه شن الإخوان هجماتهم ضده فى تحالف واضح مع النظام وعملاً بانتهازيتهم السياسية التى برعوا فيها إلى أن وجد مرشدهم الثالث المرحوم عمر التلمسانى، الذى شارك فى مهاجمة الوفد سواء أمام السادات أو فى مقالات بمجلة الدعوة، نفسه مع فؤاد سراج الدين فى السجن بعد اعتقالات سبتمبر 1981 ولوحظ أيضاً أن عداء السادات لسراج الدين كان عنيفاً، لدرجة أنه فى خطبة وصفه بأنه لويس السادس عشر، أى مثل ملك فرنسا الذى أعدمته الثورة الفرنسية وعبر عن حزنه لأن ثورة يوليو لم تعدمه.. طبعاً السادات لم يكن يعبر عن رغبة دموية لكنه وهو يتمتع بخفة ظل بارزة كان مغرماً بالألفاظ الضخمة، مثلما قال بعد القبض على عدد من الوزراء والسياسيين فى 15 مايو سنة 1971، الذين أطلق عليهم اسم «مراكز القوى»: أنا لن أرحمهم وأنا هافرمهم. طبعاً لم يفرم لكنه كان يعبر عن الرغبة فى القضاء على شبح البديل لنظامه. وقد تبدو ظاهرة القضاء على البديل متناقضة مع الأخذ بتجربة التعددية الحزبية، وجوهرها وجود البدائل أمام الشعب، لكن الحقيقة أن السادات أرادها، وهى السياسة التى لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا.. وعلى الرغم من تحالف الإخوان مع الوفد عام 1984 وتشكيلهم ثانى قوة بعد الوطنى فى مجلس الشعب ثم تحالفهم فى انتخابات 1987 مع حزبى العمل والأحرار وتشكيلهم أيضاً ثانى قوة، والوفد الثالث، ووصول عدد النواب المعارضين لرقم أكبر من عدد نواب الإخوان والمعارضين حالياً، فإن النظام لم يشعر بأى خطر منهم ولم تظهر عبارة «المحظورة» و«المحظورون» رغم اندلاع العمليات الإرهابية، التى قامت بها الجماعة الإسلامية والجهاد ولم تتحرك عقدة البديل إلا عندما بدأ الأمريكيون والأوروبيون يتحدثون علناً عن فتح خطوط اتصال مع الإخوان والجماعات الإسلامية المعتدلة، وأعينهم على النموذج التركى بالذات وهذا هو السبب الوحيد -فى رأيى- فى تشديد النظام ضرباته ضد الجماعة لا بهدف القضاء عليها وإنما ليصل بها إلى درجة من الضعف بحيث لا تكون البديل وهو ما سيتم مع أى تيار سياسى آخر معادٍ للإخوان إذا ما قوى وتحول إلى بديل تتجه إليه أنظار الأمريكيين والأوروبيين، أما ما يقال عن أن الضربات الموجهة للجماعة هدفها إجبارها على تأييد التوريث -وهو ما يردده الإخوان أيضاً- فلا يدور فى ذهن النظام لأنه يعلم أنهم لن يؤيدوا حتى لو أيد المعارضون الآخرون.. كما أنهم لن يتورطوا فى مصادمات معه وهو ما يحاول بعض المعارضين دفعهم للقيام به نيابة عنهم لأنهم يراهنون على المستقبل ويعتقدون أن الزمن لصالحهم، ولو أن النظام راغب فى إيجاد منافسين للجماعة، لوافق على إنشاء حزب الوسط الذى يعرقل طلباته منذ عشر سنوات لولا خوفه أن يكون بديلاً ولكن ما لا يدركه النظام أن التفاعلات السياسية والاجتماعية التى تشهدها مصر منذ سنوات سوف تمزق الإطار الذى يحيطها به وستظهر قوى وأحزاب سياسية سيكون أحدها أو عدد منها هو البديل الذى سيفرض نفسه رغماً عن النظام، لأن عجلة التغيير التاريخى دارت فعلاً وسوف تطحن عظام من يعترض طريقها، ومن الأفضل للجميع إفساح الطريق لها لتسير فيه بهدوء، تجنباً للفوضى والاضطرابات.