ربما تكون المفاجأة المدوية التى أعلن عنها بنيامين نتنياهو ووعد بتحقيقها أمام العالم مع الرئيس باراك أوباما والرئيس الفلسطينى محمود عباس، أثناء زيارته المرتقبة لواشنطن، على نفس قدر مفاجأة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، وهو يحث العالم الخارجى على تجاهل ميثاق حماس الداعى إلى محو إسرائيل، فى حواره مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وتعهده بأن تكون حماس جزءاً من الحل بشكل نهائى بعد إيقافها إطلاق الصواريخ وسعيها للتوصل إلى هدنة طويلة المدى مع إسرائيل، وتأييدها الحل القائم على دولتين ضمن حدود 1967، والتى فهمت على أنها مغازلة علنية لواشنطن، فهذا التطور الملحوظ من جانب إسرائيل ورئيس المكتب السياسى لحماس قد لا يعدو كونه تسويق أفكار للعلاقات العامة فقط، فى مرحلة حراك سياسى تشهده منطقة الشرق الأوسط برعاية أمريكا التى تنوى جدياً حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، والتعامل مع إسرائيل بصرامة ودون مسايرة مثلما فعلت إدارة الرئيس السابق جورج بوش التى آثرت عدم خوض مواقف صدامية مع الموقف الإسرائيلى فى القضية الفلسطينية. فمازال نتنياهو رغم إعلانه الواثق عن مفاجآته أمام العالم ممتنعاً حتى الآن عن الموافقة على قيام دولة فلسطينية، فيما لم يخف خالد مشعل معاودة تأكيده بعدم الاعتراف بإسرائيل، فكلاهما لم يحقق المعادلة الدولية إذن، والتى تطالب إسرائيل بضرورة حل الدولتين لشعبين، وتطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل حتى تكون شريكاً معترفاً به فى عملية السلام. ومن الواضح أن إسرائيل التى تتحرك على أكثر من صعيد فى الآونة الأخيرة لتسويق أفكارها والتعاطى معها، تولى الملف الإيرانى جل اهتمامها وتربطه بعملية السلام كأساس للتسوية، إذ تتصدر جولة وزير خارجيتها أفيجدور ليبرمان الأوروبية، التهديد الإيرانى وعملية السلام ومحادثات نتنياهو مع أوباما، فيما يحاول الرئيس الإسرائيلى، شيمون بيريز، التسويق لرئيس حكومته فى البيت الأبيض بإقناع الرئيس أوباما بأن نتنياهو سيتعاون معه تعاوناً كاملاً لتحقيق عملية السلام فى الشرق الأوسط، لأن الأخير يريد أن يدخل اسمه فى التاريخ على أنه صانع السلام مع الفلسطينيين. لقد وجد نتنياهو ضالته أخيراً، ووضع أجندته السياسية تجاه السلام بعد تخبط طويل، حينما طرح خطته الأولية للسلام وتتضمن السير على ثلاثة مسارات أساسية: المسار السياسى الذى يمكن البدء فيه فوراً، والمسار الاقتصادى الذى لا يطرحه بديلاً عن المسار السياسى، بل موازياً له، والمسار الأمنى الذى يتلائم مع خطة المنسق الأمريكى الجنرال دايتون، ويرمى إلى تحويل السلطة الفلسطينية إلى مكان يحترم فيه القانون وتتوقف فيه نشاطات الميليشيات المسلحة وفقاً لرؤيته ومصالحه. ويبدو أن الولاياتالمتحدة باتت مقتنعة بوجهة النظر الإسرائيلية حيال السلام أو جزء منها وربطها بالملف الإيرانى، فقد ربط أكثر من مسؤول أمريكى فى الأيام الأخيرة، وبالذات التصريحات التى أدلى بها رئيس موظفى ديوان البيت الأبيض، رام إيمانويل، أمام مؤتمر اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة «إيباك»، وكان الربط فيهما واضحاً بين تحقيق تقدم على صعيد حل القضية الفلسطينية، وبين إيقاف برنامج إيران النووى، والذى له ارتباط وثيق بتقدم محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة أن البيت الأبيض لم يعلق على هذه التصريحات سواء بالتأكيد أو النفى. غير أن السلطة الفلسطينية سارعت وردت على تصريحات نتنياهو باشتراطها لأول مرة وقف إجراءات تهويد القدس لاستئناف المفاوضات، بالإضافة إلى الاعتراف الإسرائيلى الفعلى بحل الدولتين، ووقف النشاطات الاستيطانية، فأى حلول لا تلبى قرارات الشرعية الدولية غير مقبولة، وهو شرط أساسى للبدء فى أى مفاوضات. إن هذه المرحلة السياسية الحرجة تشهد سباقاً فى التصريحات التى تتقاطع وتتوازى من حين لآخر، وفقاً لرؤية ومصالح كل طرف، غير أن الأنظار معلقة على قدرة الإدارة الأمريكية فى تحقيق وعودها التى تبدو جادة حتى هذه اللحظة، فيما يخص عملية السلام وحتى ذلك الوقت تبقى تساؤلات جوهرية لدى جميع الأطراف بحاجة عن إجابات قاطعة، فماذا عن مسألة دولتين لشعبين التى يراها الإسرائيليون مثل فيلم؟ وماذا عن دور حركة حماس فى غزة؟ وماذا عن الانتخابات فى الضفة الغربية؟ وماذا عن القضايا المتعلقة بأمن إسرائيل فى حال وجود كيان فلسطينى مستقبلى إلى جانبها؟!.