لا أعرف إن كان رادار عقلى قد ضبط نفسه تلقائيا (ودون مشورتى) على أخبار الحوادث فى مصر، فتحول مقالى الأسبوعى هذا إلى دار عزاء فكتبت الأسبوع الماضى عن حوادث شم النسيم واليوم أكتب عن حوادث المحور المفزعة، أم أن الأمر جد مرعب! فبعد أن شهد المحور مساء الاثنين حادثا مروعا صدمت فيه سيارة نقل 17 سيارة أخرى نتيجة السرعة الجنونية للسائق مما نتج عنه مصرع 8 وإصابة 47 (من بينهم عشر حالات خطيرة)، تلاه حادث آخر على بعد مائة متر فقط من الأول اصطدمت فيه سيارة نقل محملة بالحجارة ومواد البناء بسيارة ليمون مما أدى لاصطدام 15 سيارة ملاكى بهما. عدد الموتى والجرحى «فى الليمون». أقول لأخى المصرى وأختى المصرية فى الهم والغم والعيشة الهباب، الذين اشتروا دماغهم من زمان وتركوا البلد للحكومة والحزب الوطنى ينكلون به كما يشاءون: ليس من الضرورى أن تكون مغامرا ويائسا فتركب البحر (أحمر أو أبيض أو كاروهات) كى تموت فى رحلة الهروب من الوطن أو العودة إليه. ليس من الضرورى أن تستثمر أموالك مع نصابين سرعان ما يهربون بها حتى تموت جوعا وحسرة. ليس من الضرورى أن تكون فقيرا تسكن شقوق الجبل أو مريضا مضطرا للجوء إلى مستشفى يسرق الأعضاء أو طفل شوارع يستجدى لقمة يوم بيوم حتى يدركك الموت فى هذا البلد. يكفيك فقط أن تنزل إلى الشارع حيث إهمال الحكومة ينتظرك متربصا. لا تتهمونى هنا بالتجنى على الحكومة الغلبانة وتقولون ما ذنبها مع سائق قد تعاطى حفنة من المخدرات لتوه أو مزاجه حكم عليه بالجرى كالوحوش على طريق سريع. لا تقولوا لى شيئا من هذا القبيل وأنتم تعرفون ما تفعله الداخلية بنا بقانون مرورها السريع الباتر (ولكن على من تختاره فقط). فقبل حوادث يوم الاثنين حكى لى سائق تاكسى أنه قد دخل شارعاً فى عكس اتجاه المرور غير قاصد (لأن يافطة الاتجاه كانت صغيرة وقد تغيرت حديثا) فوجد على ناصية الشارع قوات المرور الصاحية جدا فى انتظاره وفى يدها غرامة بألف وثمانين جنيها. أى والله ألف وثمانون دفعها السائق الغلبان مضطرا. ولست بحاجة لتذكيركم ببشرى استلام المثلث وحقيبة الإسعاف (عقبال الحبايب) دون انتظار موعد تجديد الرخصة. بالذمة هل هذا بلد؟ وهل قانون المرور هذا معنىّ بأرواح المواطنين أم بجيوبهم؟أقول للمصريين الذين اشتروا دماغهم فتركنا بلدنا لقساة القلوب يمررون ما يشاءون من قوانين نحن فقط نتحمل تبعاتها، ألم يحن أوان استرجاع أدمغتنا فوق أجسادنا والانفعال بما يحدث! إن إحدى نتائج خيار السلبية هى أن الخروج من بيوتنا أصبح مغامرة غير محسوبة. تخرج من بيتك فى الصباح مودعا أهلك وأولادك كأنها المرة الأخيرة التى ستراهم فيها. فيا عالم هل ستعود أم لا، وهل لو عدت ستعود بكامل جسدك أم بعاهة ستعيش بها لأن السادة مشرعى قانون المرور والمطبقين له كانوا مشغولين عن حمايتك بجبايتك وتنظيف جيوبك أولا بأول. لقد حلف لى سائق التاكسى الذى دفع الألف والثمانين جنيها الغرامة أن سادة المرور قد جمعوا فى ساعتين ثمانين ألف جنيه ومن ناصية واحدة.ألم ندرك بعد أننا نعيش فى بلد بلا دولة، فى غابة بلا قانون البقاء فيها لله وحده. أما نحن العباد المساكين فأعمارنا بيد قانون مرور لا يهتم بملاحقة المجرمين المسرعين فى الطرق لتأديبهم وسحب رخصهم. ولكى لا نموت فليس لدينا إلا خيار واحد: الخروج من شرنقة السلبية واستعادة اليقين أن هذا البلد لنا وليس لهم، ومن حقنا أن نعيش آمنين. من حقنا أن نترك بيوتنا فى الصباح ونذهب إلى أعمالنا مطمئنين. من حقنا ألا نعيش فى ذلك القلق الدائم من الموت المتربص فى الطرقات وعلى النواصى. لكن حقنا لن يهبط علينا من السماء بل علينا أن ننتزعه انتزاعا. فلنملأ لهم الشوارع معلنين رفضنا، فلنغذ حركات الاحتجاج والاعتصام السلمى، فلنعترض على ما لا يعجبنا، فلنرفع أصواتنا الغاضبة لتصم آذانهم. رحم الله ضحايا الاثنين الأبرياء. ولعنة الله على السلبية والاستكانة للظلم والخنوع.