منذ أيام وقف الشاعر ( كامل عيد) فى احتفالات سيناء بمدينة العريش ليلقى أشعاره التى ألهبت حماس الشعب المصرى وشعب مدينة السويس عندما كان يغنى مع فرقة أولاد الأرض التى كونها المناضل كابتن غزالى بعد النكسة من رجال المقاومة الشعبية الذين عاشوا جميعا فى مدينة السويس طوال فترة حرب الاستنزاف عندما أقسمنا جميعا مع كابتن غزالى وقلنا معه: «لأ .. لأ .. مش حاغنى للقمر/ ولا للشجر/ ولا للورد فى غيطانه .. ولانيش سواح .. ولا حأقول للهوى طوحنى/ طول ما فيكِ يا بلدى شبر مستباح».. وكتب كامل عيد أغنية اشتهرت أيامها وغناها الجميع مع فرقة أولاد الأرض كانت تقول: «ياريس البحرية يامصرى/ يابو العرق مصرى/ يابو الدراع مصرى/هات دراعك هات/دى أرضنا أرضنا وابن البلد صياد/قول للقمر لو فات /إيد للبنا للبنا وإيد على الزناد تصطاد/حانعدى ونحارب/نفرش رمال الصحرا/ الصحرا بالحنة /ونحنى قلب الأم/ أم الشهيد غنوة/والغنوة دى سلاحى/ والغنوة دى كفاحى / ومدفعى الصاحى/على القنال سهران». وكان عادل عيد مهندسا كيميائيا فى شركة النصر للأسمدة الكيماوية بالسويس وشارك فى حرب اليمن وعاد من اليمن إلى شمال سيناء حيث تمركز مع باقى رفاقه من جنود مصر فى مدينة العريش، وعندما اجتاحت إسرائيل سيناء دافع بكل ما يملك عن أرض سيناء ولكن صدرت الأوامر بالانسحاب واستشهد الكثيرون من أصدقائه وزملائه، وعاد كامل عيد بمرارة الهزيمة وجرح استشهاد رفاقه، وعندما وقف ليلقى قصائده الأسبوع الماضى تذكر قصيدة كتبها فى شهداء كتيبته الذين استشهدوا أمام عينيه والتى قال فى نهايتها إنه كان يتمنى أن يستشهد معهم. وظل عم كامل فى القوات المسلحة على جبهة القنال حتى حرب 73 وظن أن النصر هو الذى سيعيد له طمأنينة نفسه ويرد له كرامة الوطن والمواطن، ولكن ما حدث بعد ذلك لمصر لم يكن أمرا سهلا على من حمل روحه على كفه وقدمها لمصر عبر حروب ثلاث.. وصدر لعم كامل عدة دواوين منها (أصل الحكاية) و(أحلام مستحيلة)، وترجم للعربية أوبرا صينية نادرة بعنوان (الحب تحت أشجار الصفصاف)، وكان على وشك الانتهاء من كتاب كان من المفترض أن يصدر عن سلسلة (هوية المكان) وهو مخطوط تركه مع صديقه الروائى محمد الراوى. وعم كامل الذى عاش طوال عمره عاشقا لتراب مصر كان يحزنه دائما أن كل من أخلصوا لمصر وأعطوا وقدموا حياتهم على عتبات هذا الوطن لم يحصدوا سوى النسيان والتهميش والإهمال.. ولم يحصد خيرات هذا البلد سوى اللصوص والفاسدين والنصابين والمتهربين من الخدمة العسكرية وتجار المخدرات والمزورين لنتائج الانتخابات والمرتشين.. لذلك تمنى عم كامل فى قصيدته أن يكون ضمن رفاقه الذين استشهدوا حتى لا يرى ما يراه اليوم من فساد لا تحتمله ضمائر الشعراء المرهفة. وليس من قبيل الصدفة أن يرحل شعراء مصر العظماء دون الستين من عمرهم وعلى رأسهم صلاح عبدالصبور وفؤاد حداد وصلاح جاهين وأمل دنقل وغيرهم.. لأن ما يحدث فى مصر لا تستحقه مصر التى كان يجب أن تكون فى مصاف الدول الكبرى مثلما كانت فى القرون الماضية، ولكنها للأسف تتراجع إلى الوراء بسرعة مخيفة.. لذلك فبعد أن نزل عم كامل من على المسرح وكان فى شدة الانفعال بعد أن قال قصيدته سقط على الأرض ومات.. إنها نهايات نبيلة ولكنها محزنة لأنه أعطى بإخلاص وبحب، ومصر أنكرته بإصرار وبعمق، مثله مثل كل المخلصين.. لذلك فإننى لا أملك إلا أن أطلب له الرحمة والمغفرة وأهدى هذه القصيدة لروحه الطاهر : صوتى تعب من المناهدة وعنية شبعت مشاهدة وانتِ الأميرة المجاهدة ما سألتينيش إنت مين؟ ■ أنا المغنى اللى باقى وصوتى يسبق ندائى من كتر صدق اشتياقى باحلم بقالى سنين ■ طول عمرى باحلم بعزك وبقلب يعرف يعزك ويصون كرامة معزك يا رحيمة بالمفسدين ■ أنا اللى صوتى كمنجة عنب بناتى ومنجة حتى حمارتى اللى عرجة وقعت فى أول كمين ■ غنى الفؤاد للغلابة حبك لوطنك عبادة وانتهاك السيادة بذمتك يرضى مين!! ■ ماليش فى شغل الشطارة وانا اللى بانى الحضارة تعبى وشقايا خسارة فى الخاين وابن اللئيم ■ أنا الحكيم المداوى منسى فى جوف الحوارى ومن قعاد القهاوى قالوا علىّ يتيم ■ من صغر سنى باهاتى وصوتى سابق سكاتى باسعى لرزقى يوماتى واقبض يا دوب ملاليم ■ تشهد علىّ الأماكن اللى مليتها مساكن أبنى واعلِّى.. ولكن ما ينوبنى غير الرديم ■ واموت فى كل المعارك واعرق واكافح واشارك وقلبى محروق بنارك وانتِ معايا معاندة ■ سديت فى سلمك وحربك ودقت بردك وحرك وسالت دمايا فى حضنك وانتِ عشقتى المهادنة ■ صوتى وصوتك ونس وندهتين على الحرس وفى الكنيسة جرس وأذان على المأذنة ■ أنا اللى باقى عليكِ وقلبى أهو بين إيديكِ يا ترجعينى إليكِ ياموت بفعل الحنين ■ وبالفعل مات شاعر نبيل بفعل الحنين لأن يجد مصر التى يعرفها.. رحم الله عم كامل.