إذا كان قد فاتك أن تقرأ مقالات الأستاذ جمال البنا على صفحات رمضان فى «المصرى اليوم»، طوال شهر الصيام، فأرجو أن تعود إليها سريعاً، وأن تجمعها معاً، ثم تقرأها مرة واحدة! وسوف لا تندم إذا فعلت ذلك، فعائد القراءة عليك، فى حالة كهذه، مؤكد، ومن المحتمل، وقتها، ألا تكتفى بقراءة واحدة لمجموع ما كتب الرجل، وأن تعاود القراءة من جديد، مرة ثانية، وثالثة، وربما رابعة! وهناك رجاء خاص آخر، هو أن تذهب إلى القراءة، وأنت خالى الذهن تماماً مما قد يُثار من صخب حول بعض ما يكتبه البنا، أو يقوله، من وقت إلى آخر، ورجاء ثالث ألا تسمح لأحد بأن يشوِّش على قراءتك لتلك المقالات من المقالة الأولى إلى الأخيرة! فعقلك فى رأسك يكفيك جداً لأن تخوض هذه التجربة بنفسك، دون أن تعتمد على أحد، أو تتساند على عقل آخر سوى عقلك، فإذا أضفنا إلى الرجاءات الثلاثة، رجاء رابعاً فسوف يكون فى اتجاه تحريضك على أن تكتشف صدق ما يقوله المفكر البنا، أو حتى عدم صدقه، بعقلك أنت، ويقينك أنت، ووجدانك أنت، دون وساطة من أى إنسان! وإذا كان لى أن أقدم مساعدة بسيطة، فى هذا الطريق، فسوف أقول لك إن القراءة التى أدعوك إليها سوف توضح لك بما لا يقبل شكاً، أن الكتابات التى بين يديك مختلفة، حتماً، عن أى كتابات أخرى من نوعها، وفى موضوعها! وربما يكون الرجل قد قصد، حين جعل عبارة «إلهامات قرآنية» عنواناً لما ظل يكتبه على مدى أيام الشهر، ففى كل مرة، كان يتوقف أمام آية من آيات القرآن الكريم، ثم يستلهمها، ويدعو الله أن يلهمه ما فيها من المعانى، ويظل يتطلع إليها من كل زاوية، ليصل، من خلال حروفها، وكلماتها، وتراكيبها، إلى شىء جديد يجعل قارئ القرآن بنى آدم فاعلاً على الأرض، كما أراد سبحانه وتعالى، يوم أنزله على الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، وليس كائناً خاملاً، معطل العقل والقلب! يفتح الكاتب المفكر، فى كل مقال، باباً جديداً أمامك، ولا يزعم فى أى لحظة، كما كان السابقون عليه يزعمون، أنه يفكر نيابة عنك، أو أنه قادر على أن يصل إلى ما لا تستطيع أن تصل إليه أنت فى كتاب الله.. لا.. فالعكس تماماً هو الصحيح، لأنه فى كل مقالة، بل وفى كل التفاتة إلى معنى جديد، فى كل آية، يرجوك أن تتدرب على الطريقة التى تتمكن بها من استخدام عقلك فى النظر، وفى التدبر، وفى التفكير الحر المستقل، فلا تكون عالة على عقل أحد، ولا يستولى أحد، فى الوقت نفسه، على عقلك، دون وجه حق! وقد فهمت من كثيرين، أن البنا لا يتقاضى شيئاً عما يكتبه، أو يقوله، فى حين أن الأستاذ عمرو خالد مثلاً طلب 1.8 مليون دولار لتسجيل 30 حلقة على قناة دريم قبل رمضان، بما يشير إلى أننا أمام حالتين: واحد يزور رأسك مجاناً، وآخر يتاجر بما فى جيبك! هذه تجارة.. وتلك زيارة!