آداب حلوان تعلن شروط القبول بأقسامها للعام الجامعي 2026/2025    رئيس جامعة قناة السويس يُصدر قرارات تكليف قيادات جديدة بكلية التربية    محافظ البحيرة ووزير العدل يتفقدان أعمال تطوير مبنى المحكمة الابتدائية القديم بدمنهور    رغم مزاعم عصابة العسكر..تراجع الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصرى وهمى وغير حقيقى    تعاون جديد بين "غرفة القاهرة" وشركة "فوري" لميكنة الخدمات والتحصيل إلكترونيًا    المتحدث باسم خارجية قطر: الأجواء بشأن وقف إطلاق النار في غزة «إيجابية» وفي انتظار الرد الإسرائيلي    «الاختبار الحقيقي الضغط لإدخال المساعدات لغزة».. «الأوقاف» تحتفي باليوم العالمي للعمل الإنساني    بعد إلغاء تأشيرات دبلوماسيين.. نتنياهو مهاجمًا رئيس وزراء أستراليا: «خان إسرائيل» (تفاصيل)    الأهلي يواصل الاستعداد للمحلة.. «عاشور» يشارك بدون التحامات.. و«مروان» يواصل التأهيل    «معايا أوراق ومستندات».. تعليق مفاجئ من ميدو بعد سحب أرض الزمالك في أكتوبر    رغم تصريحات الوزارة حول حرية الاختيار… مديريات التعليم تجبر الطلاب على الالتحاق بنظام البكالوريا    الأرصاد تحذر من كتلة هوائية صحراوية ترفع درجات الحرارة إلى 44 (فيديو)    بعد منعه راكب بسبب «الشورت».. تكريم رئيس «قطار الزقازيق» بشهادة تقدير    «ديون أظهرت معدن أصدقائه».. إيمي طلعت زكريا تكشف رفض فنان شهير مساعدة أولاده (فيديو)    مدير أوقاف الإسكندرية يتابع لجان اختبارات مركز إعداد المحفظين بمسجد سيدي جابر    بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال في مركز طب أسرة العوامية بالأقصر لخدمة منتفعي التأمين الصحي    بعد مأساة الطفل حمزة.. شعبة المستوردين: هيئة سلامة الغذاء تراجع كل المنتجات قبل طرحها    رواية «بيت من زخرف» لإبراهيم فرغلي تصل للقائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية    التحقيق مع 3 أشخاص بتهمة غسل 100 مليون جنيه من النصب على المواطنين    أمن المنافذ يضبط 53 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    إطلاق أسماء 4 نقاد كبار على جوائز أفضل مقال أو دراسة حول الأفلام القصيرة جدا    رئيس الرعاية الصحية: بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    ضبط 433 قضية مخدرات فى حملات أمنية خلال 24 ساعة    قرار جديد من وزارة الداخلية بشأن إنشاء مركز إصلاح (نص كامل)    "قصص متفوتكش".. 3 معلومات عن اتفاق رونالدو وجورجينا.. وإمام عاشور يظهر مع نجله    حسن عابد مديرا لبطولة أفريقيا ل شباب الطائرة    كامل الوزير: تشغيل خطوط إنتاج الأسمنت المتوقفة وزيادة القدرات الإنتاجية    صور.. تأثيث 332 مجمع خدمات حكومية في 20 محافظة    واعظة بالأزهر: الحسد يأكل الحسنات مثل النار    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    وزيرة التخطيط والتعاون تتحدث عن تطورات الاقتصاد المصري في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    وظائف جديدة للمهندسين والمشرفين بالسعودية برواتب تصل 6000 ريال    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    هل يمكن أن تسبب المشروبات الساخنة السرطان؟.. اعرف الحقيقة    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    وزيرا الإسكان والسياحة ومحافظ الجيزة يتابعون مخطط تطوير منطقة مطار سفنكس وهرم سقارة    5 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي لمحافظ البنك المركزي    وزير الخارجية يعرب لنظيره الهولندي عن الاستياء البالغ من حادث الاعتداء على مبنى السفارة المصرية    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    على ملعب التتش.. الأهلي يواصل تدريباته استعدادا لمواجهة المحلة    السبت.. عزاء الدكتور يحيى عزمي عقب صلاة المغرب في مسجد الشرطة ب6 أكتوبر    عماد أبوغازي: هناك حاجة ماسة لتغيير مناهج التاريخ فى الجامعات    أمن الجيزة يلقى القبض على قاتل ترزى الوراق    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة    ياسمين صبري ناعية تيمور تيمور: «صبر أهله وأحبابه»    رسميًا.. 24 توجيهًا عاجلًا من التعليم لضبط المدارس قبل انطلاق العام الدراسي الجديد 20252026    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    هناك الكثير من المهام والأمور في بالك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أغسطس    الاتحاد الأوروبي يخفض وارداته من النفط إلى أدنى مستوى تاريخي    أبرز تصريحات لقاء الرئيس السيسي مع الشيخ ناصر والشيخ خالد آل خليفة    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    جمال الدين: نستهدف توطين صناعة السيارات في غرب بورسعيد    فلسطين.. إصابات بالاختناق جراء اقتحام الاحتلال مدينة بيت لحم    سعر الزيت والمكرونة والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الثلاثاء 19 أغسطس 2025    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قالت جدتى لكبار المسؤولين
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 09 - 2009

اليوم عيد.. ومع خيوط الفجر يتقاطر المصريون من كل حدب وصوب لأداء المشوار الأزلى الأبدى الذى اعتادوا عليه فى أول أيام عيد الفطر، والمتمثل فى زيارة المقابر، حيث يعيشون لحظات من التواصل مع أرواح من رحلوا عن ظهر أرض المحروسة ليحتضنهم باطنها.
و«مشوار القرافة» من المشاوير المقدسة التى يحرص عليها الكثيرون، خصوصاً بعد أن أصبح هذا المكان الساحة والمساحة المتاحة التى يتلاقى عبرها الأحياء وجهاً لوجه ليتجمعوا بأجسادهم فوق رفات من رحل. فالحياة اليوم لا تتيح للناس فرصة اللقاء المباشر، إذ يكتفى أغلبهم بالتواصل الافتراضى عبر خطوط التليفونات الثابتة والجوالة!. فالذين يتفرقون فى دروب الحياة لم يعد لهم سوى أن يجمعهم الأموات، لتتجلى حكمة الله الذى جعل الموت قاسماً مشتركاً أعظم يجمع دائماً ما بين البشر.
وإذا كان الناس قد اعتادوا تبادل الحديث حول الكثير من الموضوعات خلال هذا التجمع، فمن المتوقع أن يشغلهم اليوم موضوع أساسى، وهو ذلك المشروع الذى تعده الحكومة لنقل المقابر التى تتناثر فى أماكن متفرقة من القاهرة إلى الصحراء، ليتم تحويل المدافن التى تنتشر على أهم محاور العاصمة على طريقى النصر وصلاح سالم- كما يقول المسؤولون- إلى حدائق غناء!.
 وأستطيع أن أراهن على أن الكثير من سكان القاهرة سوف يبدون غضبهم من هذا المشروع، بسبب تلك «الحدفة الصحراوية» التى يخطط المسؤولون لإلقاء عظام ورفات موتاهم فيها، لأن ذلك سوف يضطرهم إلى الجرى وراء عظامهم فى دروب وعرة، خصوصاً إذا كان الراحل حديثاً، لأنه من المعتاد فى حالة «قدم الميت» أن يزهد البعض فى القيام بهذا «المشوار المقدس»!.
ويتشابه الشعب المصرى، فى ارتباطه بعظام موتاه، مع الكثير من الشعوب، خصوصاً شعوب أمريكا اللاتينية. ويحكى جابرييل جارثيا ماركيز فى روايته الشهيرة «مائة عام من العزلة» قصة تلك الفتاة التى كانت تهاجر من مكان إلى مكان حاملة فى يدها كيساً يضم بقايا «عظام» آبائها وأجدادها، لأنها كانت تؤمن بعدم إمكانية العيش فوق أرض لا يرقد فى باطنها رفات أهلها.
 فى ظل هذا أتوقع أن يشعر الكثيرون بالقرف من هذا القرار، ورغم أن المدافن الجديدة سوف تكون فى صحراء مصر، فإن المصرى اعتاد أن يختزل مفهوم الوطن فى الحى الذى يعيش فيه، إن لم يكن فى الجدران الأربعة التى تضمه وذويه!.
والأسباب التى تقدمها الحكومة لهذا المشروع لا تعد مقنعة بالمرة، فمحافظ القاهرة يقول إن الهدف الأساسى من التخلص من المقابر القديمة هو إنشاء حدائق عامة ومتنزهات تزين شوارع القاهرة!، والرجل يقول ذلك فى الوقت الذى تفكر فيه الحكومة منذ سنوات فى نقل حديقة الحيوان، التى ترقد فوق أكثر من 80 فداناً، لاستغلال أرضها فى مشروعات استثمارية.
 كيف يصدق أحد أن الحكومة التى ملأت القاهرة بجبال «الزبالة» تريد أن تجمل وتزين هذه المدينة؟!، أما الحديث عن أن هذه المقابر تحولت إلى ساحة للإسكان العشوائى تضم الكثير من الفئات التى تحمل أمراضاً اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع فيكشف عن نوع من «الاحتقار» من جانب الحكومة «للغلابة» الذين يعكرون صفو سكان الأحياء الراقية، وعلى رأسها مصر الجديدة التى يسكنها العديد من القياديين!.
من الطبيعى أن يقفز «عفريت الاستثمار» فى حوارات الكثيرين ممن سوف يناقشون هذا الموضوع اليوم!. فالحكومة تريد أن تستثمر فى الموتى، بعد أن فرغت من الاستثمار فى الأحياء!.
وعلى الرغم من أن هناك فتاوى شرعية متعددة تحرم البناء فوق الأماكن التى كانت تضم قبوراً، فإن الحكومة لن «تغلب» فى أن تحقق الكثير من المكاسب من المشروع بعد إنشاء الحدائق فوق «الجثث»، فهل هناك ما يمنع الحكومة شرعاً من تحصيل الرسوم وقطع «التذاكر» لمن يريد دخول الحديقة، وهل هناك فتوى شرعية تمنع الحكومة من أن تؤجر أرض الحدائق للمطاعم البريطانية والأمريكية والمحلية من أجل الارتقاء بالذوق العام لاختيار الطعام وطريقة «الأكل» لدى المواطنين البسطاء، وهل هناك ما يمنع من إنشاء مدن ملاهى؟!.
ويبدو أيضاً أن بعض المسؤولين أصبحوا لا يطيقون رؤية المقابر فى طريق تجولهم ومرورهم فى شوارع القاهرة، إذ أنها تذكرهم بما لا يرغبون فى تذكره!، فمزاجهم «الشريف» قد يتعكر عند رؤية المدافن، وقد يؤثر ذلك على ألمعيتهم وقدرتهم على «إخراج» أفكار استثمارية جديدة!، لأن المشهد يجرح مشاعرهم، ويذكرهم بيوم يرجعون فيه إلى الله ليحاسبهم على عملهم، إنهم يودون لو أن معادلة «عمل بلا حساب» التى يعيشونها الآن تمتد بهم إلى ما لا نهاية، ولكن «هيهات هيهات لما توعدون»، ورضى الله تعالى عن الإمام على حين قال «اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل».
إننى أنصح مسؤولينا بالتفكير المتأنى فى هذا المشروع قبل أن يحولوه إلى قرار يتم تنفيذه بالقوة الجبرية. فربما كان لهذا المشهد الذى تأنف منه نفوسهم قيمة لا تدركها عقولهم. فهم أحوج المصريين إلى تذكر حقيقة أنهم راحلون، مهما طال بهم العمر، ومهما طال عليهم الأمد، ومهما أعطتهم الحياة، ومهما ظنوا أنهم ملكوا معطياتها، فإنهم راحلون فى لحظة يقدرها الله، ولو أن أحدهم فكر للحظة أنه سوف يموت وأنه سيحاسب فأظن أن أداءه سوف يختلف، وسوف يتعلم كيف يرحم ليرحمه الله،
وكيف لا يظلم أحداً من الناس لأن يوم القصاص العادل قادم، وكيف يتقى الله فى أقواله وقراراته وأعماله لأنه سوف يحاسب عليها حساباً عسيراً إن تراجع أداء الكثير من المسؤولين يرتبط بذلك الوهم الذى يعشش فى أدمغتهم والذى يزين لهم فكرة الخلود فى مواقعهم، رغم أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا.
 ورحم الله جدتى أول مخلوق اصطحبنى لزيارة القبور، وتعلمت منها تلك العبارة التى سمعتها بعد ذلك على ألسنة الكثيرين دون أن تحسها قلوبهم، وهى عبارة جديرة بالتأمل خصوصاً من جانب كبار المسؤولين الذين تقول لهم جدتى من العالم الآخر «عيش يا ابن آدم قد ما تعيش.. لابد من يوم تفارق»!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.