«نفسى أقابل الخبير اللى خلص لى القضية عشان أدعى له وأنا صايمة»، بهذه الكلمات حاولت امرأة عجوز، لا يظهر من وجهها الذى أخفى ملامحه وشاح أسود سوى عينيها، تجلس على كرسى متحرك فى طريقها إلى مكتب أحد الخبراء، فهى «لا تصدق أنها تمكنت من رؤية الخبراء مرة أخرى»، بعد إضراب عن العمل دام 60 يوماً قضوها على سلالم وزارتهم. وبعد محادثات دارت بينها والمهندسة ميرفت مصطفى، مساعد كبير الخبراء لاحتواء غضبها، بعد رفض أحد العاملين السماح لها بالدخول طبقاً للتعليمات، اقتنعت العجوز بأنه لا يجوز لأى متقاض مقابلة الخبير، بعد الفصل فى قضيته، تجنباً لأى شبهة، فغادرت المكتب دون أن يتوقف لسانها عن الدعاء. فى الطابق الثامن من مبنى مصلحة الخبراء، جلست المهندسة ميرفت فى مكتبها الذى تعمل فيه منذ ما يقرب من 30 عاماً، تلقت خلالها آلاف الأصول من ملفات الدعاوى لدراستها وإبداء الرأى فيها، دون أن تفقد ورقة واحدة من أى ملف. «مش ممكن فيه ورقة واحدة تقدر تضيع من مكتب خبير»، هكذا كان تعليقها على إصدار الكتاب الدورى رقم 8 لسنة 2009، الممهور بتوقيع المستشار انتصار نسيم حنا، مساعد وزير العدل للتفتيش القضائى، والذى يقضى بعدم إرسال ملفات القضايا إلى الخبراء، والاكتفاء بالاطلاع عليها فى المحكمة فقط، حتى لا تتعرض للتلف أو الفقدان. مكاتب الخبراء لا تختلف كثيراً عن مكاتب المصالح الحكومية، وربما تقل عنها فى جودتها أو الإمكانيات المتاحة فيها، حيث النوافذ شبه الزجاجية، تعرض معظمها للتكسير دون أن تمتد إليها يد الإصلاح، والحوائط تتخللها شروخ طويلة فى كل مكان، ودورات المياه الخاصة بالخبراء أنفسهم لا تصلح للاستخدام الآدمى، فضلاً عن الأتربة المتناثرة فى كل مكان، والتى تلعب دور البطل الرئيسى فى مكاتب الخبراء. آلاف القضايا المتراكمة فى المكاتب، والتى وصلت إلى حوالى 60 ألف قضية، لم يتم إنجازها خلال أيام الاعتصام ال60، حيث يصل معدل الإنجاز الشهرى لمكاتب الخبراء على مستوى الجمهورية إلى نحو 30 ألف قضية، ولم يكن تكدس القضايا أمراً جديداً بالنسبة لهم، حيث اعتادوا رؤية هذا العدد الكبير منها، خاصة مع قلة أعدادهم، مقارنة بعدد القضايا المحالة إليهم يومياً. عندما تطأ قدماك مكتب الخبير مصطفى أمين، رئيس القسم الهندسى، والذى لا تتعد مساحته المترين عرضاً والمتر ونصف المتر طولاً، ويضم بين أرجائه 3 مكاتب، ستجد دولابين حديديين خلف مكتبه، امتلأت أرففهما بمئات القضايا التى يعود تاريخها إلى عام 2006. قد تعتقد فى البداية أن هذه القضايا المكلف بإنجازها ال88 خبيراً، وهم عدد العاملين فى مكتب خبراء شرق القاهرة، إلا أن أمين أكد أن مئات القضايا، التى ربما تصل إلى 500 قضية، هى نصيبه كرئيس قسم من إجمالى القضايا التى يمتلئ بها المكتب. المهندسة ميرفت فتحت «قفل» دولابها الحديدى المقسم إلى 4 أرفف لتشير إلى «أكوام» القضايات المتراكمة، والتى رتبتها من أسفل إلى أعلى حسب تاريخها. أمور عدة أثارها الخبير ياسر عزيز، رئيس القسم الحسابى فى المكتب حول مدى قانونية الكتاب الدورى رقم 8 لسنة 2009، من بينها عندما سمح أحد القضاة لأحد الخبراء بالحصول على أصل ملف الدعوى حتى يتمكن من نظرها جيداً، ونصت تأشيرة القاضى فى محضر الجلسة التى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه على «إرسالها إلى المكتب على أن يرسل الملف كاملاً دون النظر إلى التعليمات الجديدة». «شر البلية ما يضحك» هذا ما ردده الخبير محمد المنتصر حول تلقيه أصل ملف إحدى الدعاوى من محكمة الاستئناف رغم أن رئيس المحكمة المستشار انتصار نسيم حنا، هو نفسه مساعد وزير العدل للتفتيش القضائى الذى منعهم من الإطلاع عليها. المهندسة نهى صبرى، إحدى الخبيرات التى تم تعيينها منذ 5 أشهر، نفت ما رددته بعض وسائل الإعلام حول الرواتب التى يتقاضونها، وتتراوح بين 7 و14 ألف جنيه، وقالت «أتقاضى 134 جنيهاً راتبى الأساسى، يصل بعد إنجاز 5 قضايا إلى 600 جنيه بالحوافز، وبدل الجهود، ويهبط المبلغ إلى 350 جنيهاً فى حال عدم إنجاز القضايا»، مشيرة إلى أن أقصى مبلغ يتقاضاه الخبير هو 1800 جنيه، يحصل عليها بعد إنجازه 11 قضية شهرياً. ورغم تأكيدات الخبراء أنهم يدخلون للدولة مبلغ 192 مليون جنيه سنوياً، تحت بند أمانة خبير، وهو مبلغ مالى لابد أن يدفعه المتقاضون قبل إحالة القضية إلى الخبير، إلا أنهم لا يحصلون على أى مبالغ منها، حيث تقوم الوزارة بتوزيع نسبة تصل إلى 50٪ على أبنية المحاكم، ويوزع الباقى على صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة، فى الوقت الذى تصل فيه موازنة مصلحة الخبراء من رواتب للخبراء وإداريين ومستلزمات مكتبية وأمن وصيانة إلى 102 مليون جنيه. وعن الخطوات التى قرر الخبراء اتخاذها خلال الفترة المقبلة، بعد عودتهم إلى مكاتبهم قالت المهندسة ميرفت: نحن مازلنا فى مرحلة «لملمة» الأوراق، وسنكتفى بالاطلاع على القضايا وكتابة تقارير مبدئية عنها، لكنها ستظل حبيسة الأدراج حتى نحصل على مطالبنا التى وعدنا بها الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب.