شهد المهرجان، مساء السبت، العرض العالمى الأول لأحد أهم الأفلام المنتظرة فى العالم هذا العام، وهو الفيلم التسجيلى الأمريكى الطويل «الرأسمالية: قصة حب»، أحدث أفلام مايكل مور، الذى دخل تاريخ السينما من أوسع الأبواب، حيث نقل الأفلام التسجيلية الطويلة من هامش أسواق السينما إلى قلبها بتحقيق إيرادات بعشرات الملايين مثل الأفلام الروائية الطويلة لأول مرة على الإطلاق، وذلك من خلال فيلمه «فهرنهايت 11/9» عام 2004 عن 11 سبتمبر، والذى فاز بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان. يعرض فيلم مور الجديد فى المسابقة، وجاءت أولى روائعها المرشحة بقوة للأسد الذهبى، أعرق جوائز مهرجانات السينما، ومن المؤكد أنه أحد الأفلام التى من الصعب ألا تذكر على مسرح الجوائز يوم السبت القادم، هذا فيلم من أحداث عصرنا الكبرى مثل الكتب التى تمثل نقاط تحول تاريخية، ولكن بلغة السينما التسجيلية، فهو لا يقل أهمية عن كتاب المفكر الراحل صمويل هينتجتون عن صراع الحضارات، وهو خامس أفلام مور الكبرى فى عشرين سنة، وأحسن هذه الأفلام سواء من الناحية الفكرية أو من الناحية الفنية. كان تاريخ القرن العشرين الميلادى، على نحو ما، هو تاريخ الصراع بين الرأسمالية والشيوعية بدرجات مختلفة، وكما شهد 1989 بداية سقوط الأنظمة الشيوعية، شهد عام 1998 بداية سقوط الأنظمة الرأسمالية، والذى وصل إلى ذروته عام 2008 فى الولاياتالمتحدة، قلب الرأسمالية فى العالم، فيما يعرف ب«الأزمة الاقتصادية»، وهى الأزمة موضوع فيلم مور، والتى لاتزال مستمرة، ويعرض الفيلم بعد سنة من بدايتها فى بداية أكتوبر القادم، ومن المتوقع أن يحقق إيرادات هائلة ربما تفوق إيرادات «فهرنهايت 11/9». وإذا كان أوليفر ستون هو المؤرخ السياسى لأمريكا بلغة السينما الروائية من خلال أفلامه عن رؤساء أمريكا منذ كيندى، وأفلامه التسجيلية عن «أعداء أمريكا» من وجهة النظر الرسمية، فإن مايكل مور هو المؤرخ السياسى لأمريكا بلغة السينما التسجيلية من خلال أفلامه عن العمال والفلاحين والفقراء من طبقات الشعب الأمريكى، وهو جدير بأن يسمى «فنان الشعب» عن حق مثل سيد درويش فى الموسيقى المصرية، ويعبر فيلم مور الجديد عن لحظة التحول التاريخية من عهد جورج بوش الابن إلى عهد أوباما، ويربط بينها وبين الأزمة الاقتصادية، ويشبه الإمبراطورية الأمريكية بالإمبراطورية الرومانية، كما يشبه أوباما بالرئيس روزفلت وليس بالرئيس كيندى حسب السائد فى الفكر السياسى المعاصر، ويدين الرأسمالية على نحو ربما لم يحدث منذ بيان ماركس الشيوعى، ولكن فى بيان إنسانى لا يفقد الأمل فى تحقيق العدالة على الأرض.