لم يعد نجيب خليل «60 عاما» جامع قمامة يستيقظ مبكرًا ويخرج بعربته الكارو وحماره الأعرج كما تعود منذ أكثر من 40 عاما. تحولت هواية عم نجيب بالجلوس على مقهى صغير بمنطقة «أرض اللواء» إلى عادة يومية لا ينقطع عنها بعد أن تخلى عن مهنته كجامع للقمامة نهائيًا. بجلبابه الرث ولحيته البيضاء وأمام حجرته الصغيرة التى تنبعث منها الروائح الكريهة فرد قدميه وسط عائلته الكبيرة على أريكة متهالكة لتتسلط عليها أشعة الشمس قبل أن يقول: كنت مسؤولًا عن جمع القمامة فى منطقة المهندسين وأرض اللواء، وكانت المنطقة «زى الفل».. أجمع القمامة من الشقق والمحال مقابل 3 جنيهات فقط فى الشهر، ولكن قرار الحكومة بذبح الخنازير أوقف حالنا، فقررت الامتناع عن جمع القمامة لأنها «مش هتنفعنى فى حاجة وقلت رزقى على الله». حال عم نجيب لا يقتصر عليه وحده وإنما يمتد إلى باقى جامعى القمامة الذين امتنع معظمهم عن جمع القمامة من الوحدات السكنية، فملأت القمامة شوارع القاهرة الكبرى بعد تخليهم عن المهنة وعدم قدرة شركات النظافة المختصة برفع القمامة عن أداء واجباتها. «شركات النظافة تتقاضى الملايين من الحكومة وما بتعملش حاجة وإحنا اللى كنا مسؤولين عن نظافة الشوارع من خلال جمع القمامة من الوحدات السكنية والمحال ثم نقلها وفرزها على حسابنا الخاص وكل ده كان مقابل 3 جنيه بس فى الشهر والحصول على الزبالة من السكان، لكن دلوقتى بعد ما توقفنا عن جمع القمامة ظهرت عيوب شركات النظافة اللى مش هتقدر أبدا على نظافة الشوارع لوحدها» هذا ما ذكره يوحنا خليل أحد جامعى القمامة عن أسباب انتشار القمامة فى شوارع القاهرة الكبرى بشكل كبير فى الآونة الأخيرة. ويضيف: «الحكومة تهاونت مع مهنة جامعى القمامة، وافتكرت إنهم ملهمش لازمة وما فكرتش لحظة أنها توظفهم فى شركات النظافة رغم كلام المسؤولين اللى أكد أنهم هيشغلونا بعد ما دبحوا كل الخنازير لكن طلع كلامهم فى الهوا، ولم تستطع شركات النظافة أن تتحمل مسؤولية نظافة الشوارع وحدها خاصة أنها تحضر عمالة غير مؤهلة للتعامل مع جمع القمامة لذلك امتلأت الشوارع بالقمامة وانتشرت بشكل كبير فى شهر رمضان لأن كل الناس بترمى زبالتها فى الشارع بعد الفطار علطول». ويضحك يوحنا للحظات قبل أن يتابع: «إحنا بنفرح كل ما نشوف الزبالة بتكتر فى الشوارع علشان الناس تعرف إن الزبال أهم واحد فى الدنيا كلها ومن غيره الدنيا هتبوظ». الآن، لم يعد لجامعى القمامة عمل بعد امتناعهم عن جمع القمامة.. يقول يوسف جرجس: «ربنا ما بينساش حد ومحدش بيموت من الجوع، بعد ما قررنا الامتناع عن جمع القمامة اضطر كل واحد منا أن يبحث عن عمل آخر علشان يقدر يصرف على أسرته». وعن إمكانية العودة إلى جمع القمامة مرة أخرى، يؤكد سعيد مرسى أنه يعشق مهنة جمع القمامة رغم نظرات الاشمئزاز التى يراها فى عيون المواطنين، إلا أنه يراها مهنته الوحيدة التى اعتاد عليها منذ أكثر من 15 سنة واستطاع من خلالها تكوين أسرته المكونة من ثلاثة أبناء إلا أنه اشترط أن يتم التعاقد مع إحدى شركات النظافة براتب يضمن له حياة كريمة.