حدد الرئيس حسنى مبارك قواعد التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، خلال المرحلة المقبلة، حيث قال للمذيع الأمريكى تشارلز روز، إنهم فى مجلس الشعب كمستقلين، وطالما أنهم لا يقومون بأعمال إرهابية فإن «أمرهم لا يعنينى»، هكذا قال الرئيس بالحرف الواحد، وهذه القواعد قائمة منذ سنوات، بل يمكن القول إنها قائمة طوال حكم الرئيس مبارك، والمعنى أنه فى الانتخابات القادمة - العام القادم - سوف يكون مسموحاً للإخوان بدخول الانتخابات البرلمانية كمستقلين، أما النسبة التى سينالونها من المقاعد فسوف يتم الاتفاق عليها بين الدولة والجماعة، كما حدث فى انتخابات 2005. هذا النمط من العلاقة مفيد للطرفين، فيما يخص الإخوان سوف يبقون فى ممارسة الأدوار التى يقومون بها الآن، وسوف يدخلون المجلس، ولن تتركهم أجهزة الأمن إذا تجاوزوا المسموح به، وإذا حدث واقتربت منهم الجهات الأمنية كما فى حالة الشاطر وأبوالفتوح، فسوف تفهم الجماعة الرسالة وتدرك أن هناك تجاوزا صدر منها، فالمهم لدى الجماعة أن تستمر وأن تبقى، أما من يسقط من الأفراد فهم نسبة خسائر مسموح بها، المهم أن تبقى كتبهم وإعلامهم ومساجدهم وزواياهم، ومن يسقط منهم يمنح لقب بطل أو مجاهد وشهيد. الدولة تساند الجماعة وتزيح من أمامهم أى منافس محتمل، وتأمل تعنت لجنة الأحزاب مع مشروع حزب الوسط، فلا معنى لرفض التصريح له، سوى أن تبقى الجماعة بلا منافس، خاصة إذا كان ذلك المنافس يمكن أن يهز صورتها ومصداقيتها ويكشف تناقضاتها أمام جماهيرها، فضلاً عن أنه يمكن أن يسحب منها بعض المتعاطفين فى دوائر النخبة، وهو كذلك رسالة إلى من يفكر فى الانشقاق عن الجماعة أو التمرد عليها، بأنه لا مستقبل له فى العمل السياسى ولن ينال الاعتراف من الدولة، وسوف يبقى هكذا، والمعنى أن من يتمرد على الجماعة إما أن يكون «عميلاً للمباحث»، وهم اتهموا معظم الخارجين عليهم بتلك التهمة، أو أن يبقى هائماً شريداً مثل أبوالعلا ماضى. الدولة تساند الجماعة حين تشن عليها بعض الحملات الأمنية، فهى تظهر الجماعة أمام الرأى العام فى مصر وفى خارجها باعتبارها ضحية القمع واللاديمقراطية، وأنهم المعارضون بحق، وأنهم وأنهم.. فى حين أن الدولة لن تحتاج هذه الحملات إذا طبقت صحيح القانون، وصحيح القانون وروحه يقولان إن الجماعة إما أن تكون جماعة دعوية أو حزباً سياسياً، أما أن تتركهم الدولة يمارسون الوجهين معاً ومن خلف القانون، فهى صياغة محرمة تسمح بها الدولة. وحين يخرج علينا د. حمدى زقزوق، وزير الأوقاف، بأن إلغاء الموالد الآن بسبب أنفلونزا الخنازير هو خطوة أولى نحو إلغاء الموالد نهائياً إلى الأبد، فهو يعنى سياسياً تقديم مزيد من المدد والأعضاء الجدد لجماعة الإخوان، فبعض من جماهير الموالد لن يكون أمامهم سوى تلك الجماعة التى أطلق عليها مؤسسها حسن البنا، من بين ما أطلق، أنها جماعة صوفية، وقد شكا بعض رجال الطرق من أن الجماعة راحت تحاول مع مريديهم وأتباعهم، دعك الآن مما ينطوى عليه قول وزير الأوقاف من جهل فاضح بالروح والعادات المصرية، التى استقر «المولد» فى وجدانها من العصر الفرعونى وإلى اليوم! وجود الجماعة على هذا النحو مفيد للدولة الآن، فالجماعة بارعة فى أن تحدث ضوضاء وجلبة لدى الرأى العام، ضوضاء تتيح للدولة أن تقول بأن لديها معارضة، فى حين أن الجماعة هى «الوحش» الذى يتربص بأى معارضة حقيقية، فإذا قام تيار يطالب الدولة بأن تكون دولة مدنية بشكل كامل، أى تطبق الديمقراطية وسيادة القانون بحق، فإن الجماعة سوف تعارض ذلك بدعوى الحفاظ على ثوابت الأمة، وتتذرع الدولة بذلك للتهرب من استحقاقات الديمقراطية الكاملة، ولنتأمل ما يجرى فى قضايا حرية التعبير والإبداع، فإن الجماعة وحواشيها تتصدى بضراوة لتلك الحرية، والنماذج عديدة أمامنا، منذ سنوات وإلى اليوم وهم يمارسون ضغطاً على الدولة لمزيد من القمع. وإذا كانت أولى قواعد الإصلاح السياسى أن يكون هناك حزبان كبيران أو ثلاثة فإن ترجمة ذلك تعنى وجود حزب ينافس بقوة الحزب الوطنى، ويمكن أن ينتزع منه الأغلبية، وفى ذلك إنقاذ للنظام كله، بل للحزب الوطنى نفسه، لكن عقلية الاتحاد الاشتراكى فى الحزب ترفض ذلك، فهى عقلية تربت على الشمولية والحزب الواحد، وبوجود الجماعة على هذا النحو لا يكون هناك أمل فى أن يقوم حزب آخر قومى، فالجماعة بما لديها من قدرة على الضوضاء، سوف تحول مع الحزب الوطنى دون وجود منافس لكل منهما، وهذا ما نراه، يتدهور الحال بكل من الوفد والتجمع، ولا فرصة أمام حزب جديد، وهكذا يبقى الميدان فسيحاً بين وريث الاتحاد الاشتراكى والجماعة «المحظورة» (كده وكده) بالتعبير المصرى! وهناك مطالب ملحة على الدولة بأن تراعى البعد الاجتماعى، وأن تحاول الحد من نسبة الفقر، وأن تقيم رأسمالية حقيقية تقوم على حرية السوق، وأن تكون هناك قوانين منظمة وصارمة تضمن حقوق الجميع بدلا من رأسمالية الفهلوة، لكن هذا الوضع مفيد لأباطرة الإخوان، أصحاب الأموال العابرة للقارات ومجهولة المصدر، فأموال تجمع لرعاية المنكوبين ومساندة أهالى غزة، ويتبرع مسلمون أتقياء بزكاة أموالهم، ويتبرع مواطنون متعاطفون لأسباب وطنية وإنسانية مع ضحايا الكوارث وضحايا العدوان الإسرائيلى، وفى ظل النظام الاقتصادى القائم لا توجد شفافية ولا قوانين صارمة تضمن أن تذهب الأموال إلى الجهات التى دفعت من أجلها ومن مصلحة الإخوان الدفاع عن هذا الوضع، وهم يدافعون بقوة عنه، وعلى الفور تظهر أحاديث نبوية ويذرفون الدموع باسم المشاعر الدينية، لكن المسألة ليست كذلك، ويلتقى هذا مع هوى بعض رجال الأعمال بالحزب. القواعد التى حددها الرئيس مبارك ليست جديدة، هو فقط جددها وأكد عليها وأنها مستمرة، والجماعة تدركها وتلعب فى حدودها. ليس مصادفة أن معظم من يتحدثون باسم الجماعة يحرصون دائماً، حتى وبدون مناسبة، على أن يعلنوا أنهم ضد الإرهاب، وأن سجلهم فى العقود الأخيرة نظيف من العمليات الإرهابية وأنهم وأنهم، ورغم هذا الكلام لم يخضع لنقاش وتحقق جاد ومعمق، مثلاً خطابهم لا يخلو من تحريض سافر على الإرهاب، ولعل سعادتهم باغتيال فرج فودة سنة 1992 تثبت أن معنى الإرهاب لم يخرج من عقليتهم بعد، لكنهم يلحون عليه لأنهم يعلمون أنه الخط الأحمر لدى الدولة المصرية منذ أن تورطت الجماعة فى اغتيال الخازندار ثم النقراشى باشا، وهم يعلمون كذلك أنه الخط الأحمر لدى الولاياتالمتحدة، ومن ثم فهى أيضاً معنية بذلك الإلحاح. وحيث إن قواعد اللعبة لن تتغير، فسيبقى ملف الإخوان بيد الأمن، ولن يصبح ملفاً سياسياً ولا فكرياً، أما انتخابات 2010 فسوف تكون مثل انتخابات 2005، الوطنى والإخوان، باختصار محلك سر، ولا عزاء لدعاة الإصلاح والمنادين بديمقراطية أوسع.