استمتعت بالحوار الذى أجرته الإعلامية المتألقة «رولا خرسا» مع الرائد الإعلامى «حمدى قنديل»، فى برنامجها «الحياة والناس» على قناة «الحياة 2»، وروى فيه جانباً من المتاعب التى تعرض لها بسبب برنامجيه الشهيرين «رئيس تحرير» و«قلم رصاص»، والتى كادت تحوله إلى «إعلامى تراحيل» يعمل يوماً، ويتعطل عشرة، وهو ما حدث له عندما ألغى التليفزيون المصرى بث برنامجه بسبب ما اعتبره تجاوزاً للخطوط الحمراء، وعندما انتقل به بعد فترة توقف إلى قناة «دريم» تعرضت القناة لما وصفه بأنه ضغوط رسمية اضطرتها لإيقافه، فرحل به بعد فترة تعطل أخرى إلى قناة «دبى» التى قدم على شاشتها برنامجه «قلم رصاص». لكن الضغوط طاردته بعد شهور، فأوقفت القناة البرنامج دون إحم ولا دستور، ليعود من الترحيلة بلا عمل، إلى أن فتح الله عليه، بالعمل فى ترحيلة أو قناة «الليبية»، وهى قناة ليبية خاصة، أو بمعنى أدق، شبه رسمية، ومع ذلك لم تتوقف الضغوط، وانتهت كالعادة بترحيله هو وبرنامجه عن القناة، وترحيلها هى نفسها إلى منظومة الإعلام الرسمى الليبى. ولا أحد يعرف، بما فى ذلك «حمدى قنديل» نفسه، من هى الجهة الرسمية المصرية التى تمارس هذه الضغوط، لتحرم الرجل من العمل الذى يحبه ويتقنه ويقول إنه لا يستطيع أن يعيش دون ممارسته، أو التى ترسل إليه عبر وسطاء لا يحملون صفات أو يشغلون مواقع تدعو للثقة فيما ينقلونه إليه، رسائل تطمئنه إلى أن المشكلة فى طريقها إلى الحل، بل لا أحد يعرف ما المشكلة من الأصل. إذ المؤكد أن ما يقدمه «حمدى قنديل» فى برامجه، لا يختلف كثيراً عما تقدمه برامج مماثلة، فى قنوات التليفزيون الرسمى المصرى والقنوات الفضائية المصرية الخاصة، أو ما يقوله إعلاميون وصحفيون وسياسيون ومشايخ مصريون فى هذه القنوات أو فى غيرها من القنوات العربية، أو ما يكتبه بعضهم أو يكتبه آخرون على صفحات الصحف، بعد أن تم تحرير تجارة الكلام على منابر المساجد وهياكل الكنائس وشاشات التليفزيون وسلالم النقابات والوزارات، تطبيقاً لاتفاقيات الجات، وأعفى الكلام من الرسوم الجمركية، وكانت تشمل فيما مضى الحبس والمنع من السفر والفصل من العمل بالصحافة أو الإعلام، أو النقل منهما إلى العمل فى مصانع الأحذية ومعامل الطرشى.. ومطاعم الكشرى! وقد تعاطفت بشدة مع «حمدى قنديل»، ربما لأننى تعرضت مثله لبعض ما تعرض له ففصلت من عملى الصحفى عدة مرات، ومنعت من ممارسة المهنة التى أحبها لسنوات طويلة، رحلت خلالها بين المؤسسات وعملت كصحفى تراحيل محترف، وربما لأننى من حيث المبدأ ضد مصادرة حق إنسان يبدى آراءه فى الشؤون العامة طالما يلتزم بالقانون العام، وبأدبيات وتقاليد وأخلاقيات مهنة الإعلام، ويجتهد من أجل ما يعتقد أنه الصالح العام. وفضلاً عن أن حمدى قنديل رائد إعلامى متميز ومقتدر وجاد، فإننى لا أجد أى مبرر حقيقى لمصادرة حقه فى أن يعود إلى الشاشات المصرية، العامة أو الخاصة، ولا أجد فيما يبثه من آراء سواء اتفقنا معه فيها أو اختلفنا حولها ما يدعو إلى مطاردته بما يسميه «الضغوط الرسمية»، التى لا أعرف، ولا هو يعرف من هى الجهة الخفية التى تقف وراءها، فتسىء بهذا اللدد فى الخصومة الذى يبدو وكأن وراءه أسباباً شخصية إلى نظام الحكم القائم وتلقى بظلال قاتمة على مصداقية إعلانه بأنه يحترم حرية الرأى والتعبير والنشر. وربما كانت مشكلة «حمدى قنديل» أنه ليس مجرد إعلامى، ولكنه أيضاً أيديولوجيست، وصاحب رؤية، فهو كما قال يؤمن بالقومية العربية وبالوحدة العربية وبأن قضية فلسطين هى قضية العرب المركزية، وهو ليس مستعداً للتنازل عن حقه فى إبداء آرائه تلك أو الدفاع عنها، لذلك رفض عرضاً قدمته له إحدى القنوات المصرية الخاصة، بأن يقدم برنامجاً حوارياً مع شخصيات عامة، لا يبدى فيه آراءه أو تعليقاته، وحين قالت له «رولا خرسا» إن الحوار أحد الأنواع الإعلامية المهنية المعترف بها، وأنه يستطيع إبداء آرائه عبر اختيار الضيوف، وعبر أسئلته، أقرها على هذا، ولكنه أضاف أن ذلك سوف يصدم المشاهدين الذين تعودوا على الشكل الذى يقدم به برامجه! ومعنى الكلام أن «حمدى قنديل» يريد منطقة حرة ومستقلة، فى إعلام اعترف هو بنفسه بأنه يستحيل أن يكون كذلك مائة فى المائة على الأقل فى الظروف الراهنة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا فى حالة أن يمتلك «حمدى قنديل» قناة تليفزيونية، تدعو للقومية العربية وتنحاز إليها، وهو ما قال إنه يسعى إليه، على أن تكون هذه القناة شركة مساهمة يملكها الشعب العربى، ولا تملكها حكومة أو يملكها رجال أعمال بعد أن اكتشف أن الطرفين يسخران الإعلام لمصالحهما. أما أنا فأفضل أن يعود «حمدى قنديل» إلى التليفزيون المصرى باعتباره أحد بُناته، ولا أجد أى مبرر لحرمانه من حقه فى أن يقدم برنامجه إلا اللدد فى الخصومة، وشخصنة المسائل، ونقص الذكاء الذى يحرم مصر من بعض أفضل مواهبها، ويحرمهم من حقوقهم المشروعة لأسباب غير مفهومة! ويا أسيادنا الذين فى الإعلام: كبّروا دماغكم..