لا يوجد فى العالم العربى كله سوى دولة واحدة فيها قانون يضمن حرية الوصول إلى المعلومات، ليس فقط للصحفيين بل أيضاً لأى مواطن. وعلى عكس ما كان يمكن أن يتوقعه التاريخ والمنطق: هذه الدولة ليست جمهورية مصر العربية، وإنما هى المملكة الأردنية الهاشمية. هنيئاً لأشقائنا الذين لا يزيد عددهم عن عدد سكان إسكندرية (فى الشتاء) ولا يزيد عمر دولتهم كلها كثيراً عن عمر الرئيس مبارك وحده، ولا عزاء لنا نحن فى أم الدنيا. يعتبر هذا القانون الذى أعد مسودته الصديق الأردنى يحيى شقير وصدر قبل أكثر من عامين نقلة نوعية على طريق مجتمع أكثر انفتاحاً وشفافية، وطوبة أساسية فى جدار ربما يعلو يوماً ما كى يلتقى بجدران أخرى تشكل بيتاً نتوق جميعاً إليه اسمه ديمقراطية حقيقية تخرج من تربتنا نحن ولا يفرضها علينا أحد، مثلما نتوق أيضاً إلى أن تنتشر عدواها لدينا نحن فى مصر مع تدخل مباشر من السلطات المسؤولة لوقف العدوى كى نضمن انتشارها. ورغم ثغرات واضحة فى بعض جوانب القانون وخاصةً فى طبيعة المجلس المسؤول عن تفعيله، ورغم أن 42% من الصحفيين الأردنيين لا يعلمون حتى بوجود القانون وفق دراسة حديثة، فإنه لا يزال يمنح المواطن، أى مواطن، الفرصة للتقدم إلى أى وزارة أو هيئة تابعة للدولة بطلب للحصول على أى وثيقة على أن يتحمل هو تكاليف استنساخها وعلى أن يبت المسؤول فى أمر الطلب فى غضون مدة أقصاها شهر. ولا يمكن للمسؤول أن يرفض الطلب لمجرد أنه لا يستلطفه، وإنما عليه فى هذه الحالة أن يقدم أسباب الرفض مكتوبة لصاحب الطلب. هناك طبعاً استثناءات مفهومة تشمل الوثائق المتعلقة بالأمن القومى والجيش، إلى آخره، وتلك المصنفة تحت بند "سرى للغاية"، وإن كانت خصوصية هذه الأخيرة تسقط تلقائياً بمرور 30 عاماً. الجميل فى وجود قانون كهذا أنه لا يعتبر إتاحة المعلومات منحة أو «شبرقة» من الحكومة على مواطنيها بالطريقة التى تناسبها فى الوقت الذى يحلو لها، وإنما حقاً مكتسباً للمواطن يكفله الدستور بوجه عام وهذا القانون المفصل بوجه خاص. والأجمل أن المواطن يضيف إلى معلوماته فى الحالتين؛ فإذا استجابت السلطات المسؤولة فإنه يحصل على الوثيقة التى يريدها، وإذا لم تستجب فإن موقفها هذا يعتبر «معلومة» فى حد ذاته. ولأن الصحفيين من أكثر المواطنين الذين يحتاجون إلى قانون كهذا فإننا نوجه من هذا المنبر دعوة صادقة إلى وزير الإعلام، أنس الفقى، كى يحدونا على رأس حملة عبر مجلس الشعب أو عبر المحكمة الدستورية عسى أن نصل ببلادنا إلى مستوى الأردن أو حتى إلى مستوى بنجلاديش التى تبنت هى الأخرى مثل هذا القانون العام الماضى كى يصل عدد الدول التى تبنته حتى الآن 88 دولة. ما الذى يضطره إلى ذلك؟ الذى يضطره إلى ذلك أنه، وقد قبل تحدياً ضخماً فى سعيه إلى تطوير الأداء الإعلامى، خاصةً الرسمى منه وشبه الرسمى، لابد أنه يعلم أنه مهما قدم من تطوير فى المبنى وفى الآلة وفيمن يقف وراءها وأمامها يبقى التطوير إلى حد بعيد فارغاً من معناه الحقيقى إذا لم يتضمن لب العمل الإعلامى: المعلومة. ولا بد أيضاً أنه يعلم أن العالم اليوم صار أصغر وأكثر تشابكاً من قدرتنا على الاستمرار وعلى التطوير فى ظل قوانين (أو غياب قوانين) ترجع إلى عصور لا تنتمى إلى عصرنا، وأن بدائل الحصول على المعلومة نفسها من مصادر أخرى صارت اليوم لا تعد ولا تُحصى، وأن بعض هذه المصادر لا يرقى إلى مستوى الثقة المطلوبة لأسباب مهنية توثيقية وأن بعضها الآخر يرقى إلى مستوى رفيع من حرفية التضليل المتعمد. إذا خشيت الدولة من أن تمنح المواطن هذا الحق على أساس أن المعلومة قوة فإن من واجبها تجاه نفسها وتجاه مصالحها هى أن تقلق مما هو أسوأ. وهذا «الأسوأ» فى طريقه إلينا بكل تأكيد.