تلقيت بعد مقالى الأسبوع الماضى، الذى دعوت فيه إلى نوع من الإشراف الدولى على الانتخابات التشريعية والرئاسية - مكالمات واتصالات عديدة من قراء عاديين ومن أساتذة جامعيين، فى مقدمتهم الدكتورة نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية، ومن كُتاب مثل الرومانسية أمل السامرائى، وغيرهم.. وكلهم أيد ما اتجهت إليه وقال البعض إننى أحلم، وقال آخرون «ألم تيأس بعد؟» ولكن ذلك كله رغم أنه جعلنى أحس بالصلة الحميمة مع القراء فإن تعليقاً آخر مكتوباً رأيت نظراً لأهميته ومكانة صاحبه العلمية أن أشرك معى قراء «المصرى اليوم» فى قراءته. والتعليق الذى أقصده جاءنى من «عمدة» أساتذة القانون العام فى الجامعات المصرية الأستاذ الدكتور/ ثروت بدوى، ونصه كما يلى: الأخ العزيز والأستاذ الفاضل الدكتور/ يحيى الجمل... تحية طيبة وبعد مع تقديرى الكامل لكل ما جاء فى مقالك المنشور فى «المصرى اليوم» بتاريخ 27/7/2009 تحت عنوان «الإشراف الدولى على الانتخابات» فقد عنَّ لى أن أبدى بعض التحفظات أو المخاوف أو التوقعات بشأن الوضع فى مصرنا العزيزة على مدى ما يزيد على نصف قرن من الحكم الفردى، حيث انطلقت العديد من الشعارات المضللة والكلمات الرنانة مثل الشرعية الثورية والمد الثورى والتحول الاشتراكى، إلى غير ذلك من الشعارات حتى وصلنا إلى شعار الإشراف القضائى ثم الإشراف الدولى على الانتخابات، فقد استخدمت فكرة الإشراف القضائى على الانتخابات بقصد إبعاد القضاء عن ممارسة حقه الأصيل فى الرقابة على الانتخابات، ويقصد جر القضاء إلى المشاركة فى عمليات الانتخابات الصورية، فضلاً عن أن غالبية المشاركين فى عملية الإشراف القضائى كانوا من أعضاء هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وهما هيئتان إداريتان تتبعان وزير العدل، أى أنهما من السلطة التنفيذية! وكذلك الإشراف الدولى على الانتخابات قد يستخدم للإيهام بوجود انتخابات حقيقية بمجرد إجراء الانتخابات تحت إشراف دولى، وهى ليست انتخابات لكونها تجرى بين مرشحين صوريين، ومثال ذلك الانتخابات الرئاسية التى أجريت، أو التى سوف تجرى فى ظل أحكام المادة 76، التى تقصر حق الترشيح على عدد من الأفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، والتى حرمت ثمانين مليون مصرى من حق الترشيح. وإذا أجريت انتخابات الرئاسة فى شفافية كاملة وتحت إشراف دولى حقيقى فإن النتيجة لن تتغير وسوف يكتسح الانتخابات مرشح الحزب الوطنى، الذى لا يحظى بشعبية تتجاوز الواحد فى المائة، ولكن المشرفين الدوليين سوف يؤكدون نزاهة وشفافية الانتخابات. وبالإضافة إلى ذلك لا أثق إطلاقاً فيما يسمى «إشراف دولى» أو «تحكيم دولى»، حيث إن الدول جميعها ليست محايدة ولا يمكن أن تكون محايدة. وما تقدم يجرنى إلى موضوع سيادة الدولة التى لم تعد مطلقة كما كانت فى الماضى، وإنما أصبحت مقيدة بقيود كثيرة، هنا أختلف معك وأقول إن السيادة كانت وما زالت ويجب أن تبقى مقيدة باحترام سيادة الدول الأخرى واحترام المواثيق والمعاهدات التى ارتبطت بها الدولة مع الدول الأخرى. حقيقة، إن دول العالم الثالث لا تتمتع بسيادة كاملة ولكن الدول العظمى تتمتع بسيادة كاملة ولا تتقيد بما تفرضه قواعد القانون الدولى أو قرارات الأممالمتحدة، ووصل الأمر إلى أن دولة صغيرة وناشئة- هى دولة إسرائيل - لا تتقيد بقرارات الأممالمتحدة ولا تلتزم بأى اتفاقيات أو مواثيق دولية ما دامت فى حماية الدولة الأعظم، وهى الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومما تقدم أخلص إلى أننى لا أريد إشرافاً دولياً على الانتخابات وإنما أريد انتخابات حقيقية فى نظام سياسى ديمقراطى حر يحترم القانون، ويصون حريات المواطنين، ويعترف بجميع الحريات لجميع المواطنين على قدم المساواة. فى النهاية أقول: لا قيمة لانتخابات حرة فى ظل نظام لا يعترف بحرية الترشيح للجميع، وحرية تكوين الأحزاب السياسية، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات، وحرية الجميع فى ممارسة أنشطته المختلفة بما لا يتعارض مع حريات الآخرين. هذا هو ما قاله الأستاذ الكبير فى تعليقه، وأنا أنضم إليه فى كل ما قاله من ضرورة وجود حياة سياسية حقيقية تقوم على حرية تكوين الأحزاب بما يؤدى إلى تعددية حقيقية وانتخابات حقيقية وسيادة القانون واستقلال القضاء. وأظن أن هذا كله لا يتعارض مع مزيد من الشفافية - إن لم يكن يتفق معها - بأن تجرى الانتخابات تحت نوع من إشراف المجتمع المدنى، الداخلى والدولى. وعلى أى حال، شكراً لكل من اهتم واتصل، وشكراً جزيلاً لعُمدتنا وتاج رأسنا الدكتور ثروت بدوى.