هالنى أن أسمع أن الحكومة البريطانية تقوم بتوزيع أقراص الفياجرا بالمجان على كبار السن ضمن الامتيازات التى تمنحها لهم بعد إحالتهم إلى المعاش، فهى تصرف قرص فياجرا أسبوعيًا لمن هو فوق الستين، ولذلك تجد أن الحياة عندهم تبدأ بعد سن الستين، وهم يعتبرون هذه السن بداية للحياة السعيدة. وقد ناقشت أحدهم عن الامتيازات التى يحصل عليها بعد خروجه إلى المعاش، فروى أن الحكومة تهتم بهم نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، فهى تمنحهم تخفيضًا فى المواصلات العامة يصل إلى 75 فى المائة، وتخصص لهم مقاعد فى الصفوف الأمامية داخل الأتوبيسات أو القطارات.. حتى أماكن انتظار السيارات تجد أماكن مخصصة لكبار السن وللمعاقين ولا يدفعون مقابلاً عن هذه الأماكن. بدأت أسترجع الحقوق التى يحصل عليها كبار السن عندنا فى مصر، وللأسف لم أجد شيئًا، فالذين يحالون إلى المعاش كأنهم يحالون إلى عشماوى ينتظرون لحظة إعدامهم، فقد أخذتهم الحكومة لحمًا وألقت بهم عظامًا، لا يجدون ثمن علاجهم أو ما يغطى احتياجاتهم بعد المعاش. وهنا تساءلت: لماذا لا تهتم الحكومة بكبار السن؟ على الأقل تشعرهم بأنها حكومة وفية، والوفاء ليس بتكريمهم يوم خروجهم إلى المعاش، ولكن بالتواصل معهم فى الحياة طوال رحلتهم بعد المعاش، فهؤلاء أعطوها أحلى سنى عمرهم فى مواقع مختلفة، ثم تركوا الوظيفة وهم يحملون مجموعة من الأمراض. أذكر أن صديقى الدكتور صفوت النحاس، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، دعانى لحضور ندوة علمية عن الأضرار النفسية والصحية التى تلحق بالموظف العام من وظيفته بعد إحالته إلى المعاش، وكان المتحدث فيها أحد أطباء جراحة الأعصاب الدقيقة وهو خبير ألمانى.. روى أن الموظف العام عرضة للإصابة بالانزلاق الغضروفى أو التهاب الفقرات العنقية أو تآكل فقرات المفاصل بسبب عشقه لوظيفته، فهو ينكفئ على مكتبه بالساعات الطويلة، ولا يعطى لنفسه وقتًا للراحة وقد تطول به ساعات العمل، ومع ذلك تراه منكفئًا، وهو لا يدرك خطورة هذا الارتباط، ولذلك تجدهم فى اليابان والصين ودول كثيرة يجبرون الموظف العام على أداء بعض التمرينات الرياضية لتحريك عضلات الجسم حتى لا تظل مشدودة فى وضع الارتكاز الثابت الذى يعرضها للخطر. طبعًا نحن نفتقد أى وسيلة أو أى نية لعمل مثل هذه التمرينات داخل الوظيفة، لأن طبيعة الوظيفة عندنا تختلف عن طبيعة الوظيفة عندهم، ولأن الموظف فى بلدنا غلبان، فهو يعتبر أن الرياضة نوع من الرفاهية لا يجوز استخدامها.. ولذلك نجد معظم الموظفين عندنا محملين بالأمراض بعد تركهم الوظيفة إلى جانب إصابة بعضهم بمرض السكر أو الضغط العصبى وارتفاع الدم والدهنيات فى الجسم، ولأن نظام التأمين الصحى عندنا أكذوبة فهو لا يغطى هذه الأمراض، فقد أصبح الموظف بعد المعاش مطلوبًا منه أن يغطى مصاريف علاجه من المعاش الذى يحصل عليه، والذى لا يغطى احتياجاته المعيشية من مأكل وملبس وإيجار ومصاريف الأولاد.. معنى هذا الكلام أن أصحاب المعاشات عندنا غلابة، لا الدولة ترعاهم بعد المعاش، ولا صندوق المعاشات يتكفل بهم. لذلك نجد المقارنة بينهم وبين كبار السن فى بريطانيا بعيدة جدًا، فإذا كانت الحكومة عندهم تصرف لكبار السن «الفياجرا» على أمل تجديد شبابهم، فالحكومة عندنا تعطيهم جرعة من الاكتئاب النفسى، على أمل التخلص منهم. فلم نسمع أنها وفرت لهم أماكن فى المواصلات العامة، أو وفرت لهم العلاج الذى يحميهم من أمراض الشيخوخة، بل تركتهم فريسة لأمراض السكر والضغط العصبى، وكل مسن عليه أن يدبر حاله بعيدًا عن الحكومة.. وحتى أكون منصفًا فى استعراض أقوالى، لابد أن أشيد بالهيئات التى ترعى أبناءها مثل القوات المسلحة والشرطة والقضاة، وهذه الهيئات تؤمّن مستقبل المحالين إلى المعاش، فهى تتكفل بعلاجهم فى مستشفياتها، ولم تحدد مستشفى للعلاج، فضباط القوات المسلحة، وضباط الشرطة يعاملون فى العلاج بعد المعاش شأنهم شأن الضباط العاملين، لا تفرقة فى الخدمة الطبية.. أو فى العمليات الجراحية.. ولا فى صرف الدواء، وهذه حسنة من حسنات القوات المسلحة وهيئة الشرطة.. نفس الشىء مع القضاة، فوزارة العدل تتكفل بالقضاة بعد المعاش.. فى العلاج.. وفى المصايف.. وفى الوفاة. أعتقد أن الدكتور نظيف، نفسه، متعاطف مع قضية كبار السن، وكثيرًا ما ينصح بحسن رعايتهم، ولكن الكلام وحده لا يكفى.. فكبار السن فى أى بلد لهم حقوق مثل حقوق الطفل، فإذا كنا نسعى لإعطاء الطفل حقه فى الحياة، فلماذا لا نعطى كبير السن حقه فى مواصلة الحياة.. يكفى أن يتقاضى معاشًا يمثل جزءًا بسيطًا من دخله، الحكومة تعرف بالأعباء التى تواجه أى مسؤول بعد خروجه إلى المعاش، فقد تكون بنت من البنات فى رقبته أو شاب لم يجد عملاً أو زوجة مريضة أو يكون هو نفسه مريضًا، كل هذه المتطلبات فى رقبته بعد المعاش، ماذا أعددنا له؟ هل منحناه بطاقة علاجية تكفل علاجه وعلاج من يعوله؟ هل حافظنا على عقليته التى لا تزال قادرة على العطاء؟ وأسئلة كثيرة تفرض نفسها على قضية كبار السن. يا عالم خذوا بحكمة الذين سبقونا، فهم لم يخطئوا عندما طالبونا بأن نكرم «عزيز قوم ذل»، فكبار السن عندنا فى مصر هم المعذبون فى الأرض، صحيح أنهم لا ينتظرون من الحكومة أن تمنحهم قرص «فياجرا» أسبوعيًا.. لكنهم يأملون.. أن ترحمهم حتى لا ينتظروا رحمة السماء. [email protected]