(1) تولى «أحمد زيور باشا» رئاسة مجلس الوزراء المصرى، فى أعقاب إقالة وزارة سعد زغلول الأولى والأخيرة عام 1924.. وبسبب ذلك تعرض لحملات صحفية عنيفة، تجاوزت الخلاف السياسى إلى الشتائم المقذعة، لكنه لم يكن يرد على منتقديه، وكلما فاتحه أحد فى إبلاغ النائب العام ضد الذين يشتمونه كان يقول لهم: سيبوه ياكل عيش.. (2) فى عام 1927 وفى احتفال أقامه الحزب الوطنى بذكرى مؤسسه مصطفى كامل باشا، خطب النائب والصحفى «فكرى أباظة» فى الاحتفال باعتباره أحد أعضاء الحزب، فحمل حملة عنيفة على سياسة حزب الوفد، وعلى سلوك نواب الحزب فى البرلمان.. وفى حمى الارتجال استخدم ألفاظاً قاسية بحق زملائه فى مجلس النواب، وبحق رئيس المجلس وزعيم الأمة «سعد زغلول».. ولم يتنبه إلى أن ما يقوله قد خرج عن حدود اللياقة والأدب فى حق زملائه، إلا حين لاحظ فى اليوم التالى عند دخوله قاعة مجلس النواب أنهم يعرضون عنه.. ويرفضون الرد على سلامه.. وما كاد «سعد زغلول» يفتتح الجلسة، حتى تتابع النواب يطلبون الكلمة، ليتهموه بالإساءة إلى المجلس ورئيسه، والتشهير به، ويصرون على تطبيق اللائحة عليه، ومعاقبته على ما قاله.. وكانت دهشة فكرى أباظة بالغة حين أوقف «سعد زغلول» المناقشة قائلاً: أنا لا أسمح بهذا.. وما يقال خارج المجلس يرد عليه خارجه وليس تحت القبة. وخجل «فكرى أباظة» من نفسه.. وقال ل«سعد زغلول»: هذه مجاملة قاسية يا معالى الرئيس.. نحن الناشئون المغرورون ماذا نفعل إذا لم نكبر على أكتافكم.. وإن لم نختلس منكم شيئاً من المجد فكيف يعرفنا الناس.. سيقولون إن «فكرى أباظة» شتم «سعد زغلول» فأستفيد أنا.. ولا يضرك هذا فى شىء.. فهل تبخل على بذلك؟ وابتسم «سعد» ولم يعلق.. (3) اختفى اسم «سليمان فوزى» صاحب مجلة «الكشكول» من تاريخ الصحافة. إذ لم يكن يملك من المواهب الصحفية سوى موهبة واحدة.. هى أنه شتام لا يقهر، لأن أحداً لا يستطيع أن يهبط لمستوى بذاءته.. بينما لمعت وبقيت أسماء معظم الذين طالتهم سلاطة لسانه، وذات يوم ضاق أحد الأعيان بشتائمه التى كان يهدف منها لابتزاز بعض المال منه، فضربه علقة ساخنة، ظلت موضوع شماتة كثيرين حتى من زملائه الصحفيين، وأنذرته إدارة المطبوعات أكثر من مرة، لأنها لاحظت فيما يكتبه «إسفافاً فى المهاترة.. ونزولاً عن مناهج النقد وفحشاً يسن سنة مزرية بشرف الصحافة ويفسد الأخلاق». ولم يبق من سليمان فوزى فى التاريخ سوى قصيدة زجلية، كتبها الشاعر الطبيب «سعيد عبده»، بدت أشبه بعصا موسى التى ابتلعت كل الحيّات أو المقالات التى نشرها سليمان فوزى وفيها يقول: «وحياة من خنصرك فى البدلة الأفرنجى وثانياً عينك ع الحظ مخزنجى وثالثاً جعلك فى التلحمة برنجى لافتن عليك للنقيب إنك ما تعرفشى تتهجى «بامية» وبرضه الاسم جورنالجى». و«التلحمة» هى البلادة.. وبرنجى كلمة تركية بمعنى الأول. (4) بعد تسع سنوات قضاها فى السجن أفرج عن الصحفى الراحل «مصطفى أمين» عام 1974 وتوافد محررو وكتاب صحف دار «أخبار اليوم» على منزله لتهنئته إلا واحداً، هو «أحمد لطفى حسونة» الذى كان قد شتم مصطفى أمين بعبارات مقذعة فى مقال نشره على صفحات «أخبار اليوم» وكان يخشى أن يطرده من منزله، فوسط أحد زملائه، وأذن «مصطفى أمين» له بزيارته فدخل إلى قاعة الاستقبال، التى كانت تحتشد بالزوار، وقال له: أنا اتعلمت من كتبك ومن مواقفك.. واتلمذت على إيديك.. وأنا زى ابنك فسامحنى.. وقال مصطفى أمين: ماحصلش حاجة.. إنت ابنى وعملتها على بنطلونى.. ووسط الضحكات قال واحد: بس الظاهر إنها كانت كبيرة قوى يا مصطفى بيه.. لأنها غرقت بنطلونات كل اللى بيقروا «أخبار اليوم»! وشر البلية ما يضحك!