يعيق الحرس القديم القوي في ليبيا فيما يبدو تعيين نجل الزعيم الليبي معمر القذافي للقيام بدور حكومي بارز مما يجعل مستقبل الإصلاح في هذا البلاد غامضا كما كان الحال دائما، وفقا لتحليل كتبه «توم فايفر» من «رويترز». وذكر «فايفر» أن ليبيا خرجت من سنوات من العزلة الدبلوماسية وبدأت تتعاون مع الغرب في مجال الأمن والهجرة، مشيرا إلي أن شركات مثل «بي.بي وإكسون موبيل» عادت لإنفاق مليارات الدولارات للاستفادة من أكبر احتياطي نفط مؤكد في إفريقيا. وقال: إن المحافظين في المؤسسة السياسية ما زالوا يرتابون بشدة من التدخل الأجنبي، وتلاشت آمال بأن رفع العقوبات سيعني انفتاحا سياسيا أكبر وروابط تجارية أعمق وبيئة عمل تتسم بالشفافية. ولفت التحليل إلي إن أنصار الإصلاح وجدوا سببا للتفاؤل في أكتوبر عندما سمى القذافي نجله ذا التوجهات الغربية سيف الإسلام - الذي تفاوض من أجل رفع العقوبات عن ليبيا - منسقا للقيادة الشعبية الاجتماعية. وتم تأسيس هذا التجمع من: زعماء التجارة والنقابات والسياسة في الثمانينات لخدمة المصالح القبلية التي تمثل العنصر الرئيسي لنظام والده في الحكم القائم على تولية أفراد من الشعب مسؤوليات في الحكومة. وينظر للقيادة الشعبية الاجتماعية على أنها أقل معاناة من الفساد من جهات حكومية أخرى، وكان من شأن تعيين سيف الإسلام على رأس هذا التجمع أن يجعله ثاني أكبر شخصية في البلاد. لكن سيف الإسلام لم يتقلد بعد مهامه الجديدة، ولم تطرح القضية للنقاش الشهر الماضي في مؤتمر الشعب العام أكبر جهاز استشاري في ليبيا. وأشار «فايفر» في تحليله إلي تصرح مسؤول ليبي رفيع لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، طلب عدم ذكر اسمه، بأن سيف الإسلام ليس بصدد تولى دور حكومي رسمي، وأنه يلتزم بقرار اتخذه عام 2008 باعتزال الحياة العامة. ويقول خبراء: إن سيف الإسلام ربما يحاول كسب الوقت ليس إلا. وقال تشارلز جوردون الخبير بالشؤون الليبية في «ميناس اسوسييتس للاستشارات»: «نعتقد أن الزعيم ما زال مصرا على أن سيف الإسلام سيصبح منسقا للقيادة الشعبية الاجتماعية، وأن سيف الإسلام سيبدأ الإدارة اليومية للشؤون الداخلية للبلاد.» ويرى محللون معنيون بالشؤون الليبية أن سيف الإسلام «يريد السلطة ويحتاج لبناء الدعم بين المواطنين الليبيين العاديين لتهميش الحرس القديم، واستمالة شخصيات كبيرة مثل وزير الخارجية موسى كوسة، ورئيس المخابرات السابق عبد الله السنوسي». ويقول أنصار سيف الإسلام إنه «سينضم للحكومة عندما يحصل الليبيون على حرية سياسية أكثر، وعندما تتوفر مؤسسات حكومية شفافة». وقال جيف بورتر المحلل في «مجموعة أوراسيا»: «أعتقد أن سيف الإسلام مهتم حقا بتكوين دعم شعبي، ويرى أن التحول الديمقراطي والإصلاح وسيلة في هذا السبيل.» وذكر التحليل أن سيف الإسلام تلقي «ضربة» في الشهر الماضي عندما تم وقف إصدار صحيفتين تابعتين لمؤسسة «الغد» الإعلامية التي ساعد على تأسيسها. وكانت الصحيفتان قد نشرتا مقالات تزعم وجود فساد رسمي، لكن مصادر في المجال الإعلامي قالت ل«رويترز»: إن الصحيفتين أغلقتا لأن الشركة لم تدفع التزاماتها المادية الخاصة بالطباعة لعدة أشهر. لكنهما ما زالتا مستمرتين على الانترنت. وسيطرت الحكومة بالفعل على قناة «الليبية» التابعة ل«الغد» أيضا في العام الماضي، وقال محللون إن «المشكلات التي تلاقيها المجموعة تضر بصورة سيف الإسلام باعتباره مديرا وصانعا للقرارات». وقال مصطفى فيتوري المحلل والأستاذ الجامعي، وهو مقيم في طرابلس: «في الخارج لا يدرك المراقبون كثيرا أن المؤسسات والشركات المرتبطة بسيف الإسلام كان لها أداء متدن، وعادة ما كان ذلك أسوأ من القطاع العام فيما يتعلق بالإدارة والنزاهة والافتقار إلى الحرفية.» وساعد رفع العقوبات على تدفق البضائع على ليبيا، وأدى التضخم إلى تآكل الدخل وتركز مشاعر الإحباط على إخفاق الحكومة الظاهر في تحسين أحوال المعيشة. ويضيف التحليل: ما زال ارتفاع دخل النفط يساعد على تمويل الدعم الحكومي السخي، والرواتب الحكومية. وأضعف القذافي الاقتصاد المركزي، وأصبحت الأسواق التي تديرها الدولة، والتي كانت في وقت من الأوقات تكاد لا تطرح سوى الحاجيات الأساسية، تبيع الآن الكثير من الأجهزة واللوازم المنزلية. لكن المواطن الليبي يشكو من تردي مستوى المدارس والمرافق العامة والبنوك التي عفا عليها الزمن والبيروقراطية المستشرية. ويقول كثيرون إن «الحظ في ليبيا حليف لمن لديه صلات بالشخصيات ذات النفوذ، الذين يجوبون شوارع ليبيا في سيارات ذات دفع رباعي، والذين شجعت محافظهم المتخمة بالأموال مجموعة من متاجر التجزئة الفاخرة على فتح فروع لها هناك.» ويشير «فايفر» إلي أن «سيف الإسلام امضي سنوات وهو يصور نفسه على أنه المصلح الذي لديه النفوذ اللازم للتصدي للمسؤولين الحكوميين الفاسدين وجعل الحكومة أكثر شفافية وتعزيز القضاء حتى يمكنه الوقوف في وجه الشخصيات ذات النفوذ.» ويقول مراقبو الأحوال الليبية: إن من الواضح أنه يجري إعداده لخلافة والده لكن المحافظين سيضعون العقبات في طريقه. وقالت المحللة الليبية تهاني دربي في موقع «جيل ليبيا» المؤيد للإصلاح «إن أغلب مشاريع سيف الإسلام فشلت لأن القطط السمان يسعون لتقويض كل مشروع للتنمية يحتاجه الليبيون ويريده سيف الإسلام.» لكن أنصار الإصلاح المؤسسي يقولون: إن سيف الإسلام ما زالت أمامه فرصة طيبة لقيادة الحكومة أكثر من إخوة له مثل معتصم القذافي مستشار الأمن القومي في ليبيا الذي ظهر في الحياة العامة بشكل نادر في واشنطن في العام الماضي. وقال عاشور الشامس المحلل الليبي المنفي المقيم في لندن «لم نسمع قط معتصم يتحدث.. لم نسمعه يقول ما يؤمن به.»