■ الحديث عن قمة الكتابة الساخرة فى مصر، من منظور كاتب ساخر شاب - بالنسبة لأحمد رجب طبعاً - حديث ملىء بالخيوط، هل تذكر متى بدأ ارتباطك به وأنت صغير، وكيف كنت تراه وكيف تطورت رؤيتك له الآن؟ - كان أحمد رجب أول كاتب انتقلت على يديه من مرحلة قراءة كتب كامل كيلانى وقصص الفتيان التى كانت تصدرها دار المعارف إلى قراءة كتب الكبار.. أعتقد فى حياة الكثيرين من جيلى كان أحمد رجب هو المرحلة التى قادتنا إلى قراءة أنيس منصور ومحمود السعدنى ومصطفى محمود.. ومنها انتقلنا إلى نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى حقى ثم بعد ذلك إلى الأدب المترجم.. ومنا من أبحر إلى آفاق أكبر وأرحب، ومنا من ظل واقفاً حيث أحب أن يقف.. لكن دون شك كانت كتب أحمد رجب الجميلة التى مازلت أحتفظ بنسخها الجميلة الصادرة عن «أخبار اليوم» هى المرحلة الوسيطة التى حببتنى فى القراءة.. وسأظل مديناً له بالكثير.. أتذكر أن أول كتاب قرأته له كان «صور مقلوبة».. ومازلت أذكر كيف فرجت أمة لا إله إلا الله علىَّ وأنا أقرأه فى السوبر جيت وأنا مسافر بصحبة والدتى من الإسكندرية إلى القاهرة لمرافقتها فى واجب عزاء لدرجة أنها هددتنى إن لم أتوقف ستتركنى فى الريست.. وظللت طول الطريق أسترجع جمله البديعة وأكتم الضحك بصعوبة، وعند وصولى إلى القاهرة قضيت أغلب الوقت فى منزل معارف أمى أكمل قراءة كتاب صور مقلوبة فى الحمام وأنا ميت من الضحك فى سرى احتراماً للمرحوم. بعد ذلك التهمت كل ما كتبه أحمد رجب وأصبح جزءاً من حياتى، كتاب «أى كلام»، «الحب وسنينه» و«كلام فارغ» و«توته توته» و«صور مقلوبة» أنا باعتبرها أعمال أدبية تقف جنباً إلى جنب مع أعمال كاتبى المفضل التركى العظيم عزيز نيسين، ويمكن فى كلام فارغ بيكتبه قصاصين أشهر خد أكتر من حقه عشان صحابه، مكشرين والحزن المصطنع هو اللى عامل لهم قيمة، بينما أحمد رجب بسخريته وصل إلى جوهر الحياة. ما أقدرش هنا أنسى مثلاً كتاب «الأغانى للأرجبانى» أفسد علىَّ ثلثى الأغانى التى كنت أحبها، وفى الجامعة غصت أياماً كاملة مع شخصياته الساحرة التى رسمتها ريشة مصطفى حسين، والتى للأسف لا أدرى لماذا لم يتم جمعها بشكل منهجى وكامل، لأن هذه الأعمال يمكن دراستها بوصفها تأريخاً لمصر المعاصرة بالكاريكاتير. ■ بعد تجربتك أصبح البعض ينظر لكتابات أحمد رجب باعتبارها الأقل حدة، والأقل تجاوزاً واجتيازاً لهامش الحرية، ما رأيك فى هذه النظرة؟ - مع احترامى لكل صاحب رأى، لكن هذه نظرة بلهاء حمقاء رعناء جوفاء خرقاء. سؤالك يفترض أساساً أن أحمد رجب يقف تحت نفس السقف الذى نقف نحن ككتاب شبان تحته، مع أن المقارنة غير واردة أساساً، أحمد رجب عالم وحده، لا يخضع لنظرية السقوف لأنه جنينة ساحرة الجمال سقفها السماء الصافية التى لا سحابة سوداء فيها، أحمد رجب لا يقيَّم بكل الكتابات الساخرة التى رفعت سقف الحرية، لأنه لولا أحمد رجب ونص كلمة وكاريكاتيراته وفهامته لما كان هناك كتاب ساخرون يخرقون سقف الحرية، لا يمكن أن أنسى كيف كنا نتعامل مع نص كلمة بوصفها أرفع درجات الجرأة فى الصحافة، لا يمكن أن ننسى كيف كان يميت المصريين من الضحك على الرزاز وفتحى سرور ورؤساء الوزراء المتعاقبين، هل ننسى له كل ذلك ونحكم عليه بعيداً عن سياق الفترة التى كان يكتب فيها، وبعيداً عن كونه يكتب فى صحيفة حكومية ووصل فيها إلى أعلى سقف ممكن للحرية، ولولا أنهم سلطوا عليه القط ليخربشه ويطفشه من مكانه لكان قد رفع سقف حريته أكثر فأكثر. السخرية ليست فقط بالجرأة بل هى بالموهبة، ورب نص كلمة يكتبها أحمد رجب فيقرأ القارئ ما بين سطورها ويشعر بأنه أخذ حقه من جلاديه وظلامه أبرك من مقالة طويلة عريضة تظن أن السخرية هى فى الجرأة وكسر السقف دون أن تتحلى بسحر الموهبة الذى منحه الله لأحمد رجب. ■ كتب أحمد رجب العديد من الأفلام والمسرحيات، ما رأيك فى أحمد رجب الكاتب السينمائى والمسرحى بعيداً عن كتاباته الساخرة؟ - برضه ما قدرش أحكم على أحمد رجب السينمائى والمسرحى بعيداً عن سياق الزمن الذى كتب فيه أفلامه ومسرحياته، إحنا بس مابنقدّرش الأفلام الكوميدية وننظر إليها على أنها أفلام درجة تانية، ده عموماً، لكن بصراحة أنا لست معجباً بأفلام الأستاذ أحمد رجب، لكن أعتقد أن أى كاتب سعى إلى أن يبهج الناس بأعماله يكفيه شرف المحاولة، فما بالك لو الأفلام دى عجبت الناس وأبهجتهم، حد يقدر ينكر إن شنبو فى المصيدة لازال بيكسر الدنيا لحد دلوقتى لما يتعرض. ألا يحسب ذلك نجاحاً متجدداً لأحمد رجب.. عموماً حتى لو كان ليك أى ملاحظات على هذه الأفلام تقدر تفتكر المتنبى وهو بيقول ولم أر فى عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام.. أحمد رجب صنع كل هذه الإنجازات فى حياته، وتربع على عرش الكتابة الساخرة كل هذه السنين بسم الله ماشاء الله، أظن عيب نمسك له على الواحدة. ■ بلال فضل يكتب فى السياسة بشكل أساسى، بينما يهرب أحمد رجب بكتاباته كثيراً إلى عالم المرأة، والكتابة عن المرأة، لماذا؟ وما الفارق؟ - الكلام عن المرأة ساعات بيبقى أهم من الكلام فى السياسة، الفكرة مش الموضوع اللى إنت بتكتب فيه، الفكرة إنت بتكتب إزاى وإيه، تقدر تنكر إن كتابات أحمد رجب عن المرأة تهلك من الضحك، إنها موهبة فياضة، سيل عرم، نهر متدفق، فيه حد يقدر يكتب بنفس التميز فى السياسة والفن والمرأة والتفاصيل الاجتماعية؟!، ولقد حاولت لفترة أن أكتب حاجة متأثرة بروح أحمد رجب اسمها نصائح عاطفية ورغم رد الفعل الجميل اللى لقيته من الناس إلا إنى لما مرة أعدت قراءة كتاب «توتة توتة»، قررت أوقف نشره لغاية ما أعيد كتابته من جديد. ■ يسأل الكثير عن تجهم الكاتب الكبير، وهل الكاتب الساخر عموماً من عاداته التجهم؟ - كل قراء أحمد رجب سمعت كثيراً عن طقوسه الخاصة وعزلته وتجهمه، لكن أنا سمعت من أصدقاء ليه زى الفنان عادل إمام والأستاذ محمود عوض والفنانة يسرا وغيرهم، إن دمه خفيف وإنه محب لأصدقائه وجميل معاهم ومش زى ما بيصوروه وإنه كده مع الغرباء لكى يخفى خجله وتوتره، أحمد رجب يمكن لا يحب السهر والحكى ولمة الناس، لكن التجهم ليس قريناً بالسخرية، أنا مثلاً بعشق قعدة جلال عامر وبيموتنى على روحى من الضحك، لكن لو حطيت قدامه كاميرا يتوتر، دى طبائع. ■ هل قابلت الكاتب الكبير وماذا دار فى اللقاء؟ - الحقيقة أنا رغم حبى الشديد لأحمد رجب كنت أقاوم الأفكار المجنونة اللى كانت بتيجى لى عشان أقتحم مكتب أحمد رجب، لغاية ما فى يوم كنت بحضر عرض خاص لفيلم «الواد محروس بتاع الوزير» سنة 98 وكانت «الدستور» لسه قافلة، لمحت الأستاذ أحمد رجب قاعد لوحده فى كرسى فى الصف الأول، قمت جارى عليه وملت عليه قلت له أنا بحبك قوى يا أستاذ أحمد أنا اسمى فلان من جرنان الدستور اللى قفل، نط من كرسيه والله العظيم، وقام واخدنى بالحضن، وقال لى إزيك أنا بحبكو كلكو، وأنا طبعاً مش فاكر إيه اللى حصل بعدها، لأن لما الناس شافته بيسلم على حد اتكسر حاجز الرهبة من أنها تروح له وفجأة لقيتنى بعيد عنه وهو بيسلم على الناس.. ولم أفكر حتى فى إنى أسأله عن كيف أصل إليه وأجلس معه، وبعدها لم أره ولم أسمع منه أو نقلا عنه أى شىء يخصنى، إلى أن تلقيت دعوة من الصديق خيرى رمضان قبل كام شهر يقول لى فيها إننى مدعو لعشاء على شرف الأستاذ أحمد رجب، وإنه يحب أن يرانى.. حاولت أن أتماسك لكى لا يشعر خيرى بالذبذبات المنبعثة عن رقصى طرباً، ولكن ألغيت المقابلة لأن الأستاذ أحمد رجب أصيب بدور برد.