هاجم الكابتن أحمد حسن الإعلامى عمرو أديب فى حديث تليفزيونى، والمعركة معروفة، وما قيل كرد فعل من الكابتن للمذيع معروف، وقصة الاعتذار على قناة أوربيت صارت أشهر من نار على علم ولا تحتاج إلى تعليق، فالكل قد علق وخاض فى الموضوع الذى أصبح للأسف حديث الساعة، لكنى سأتناول جملة قالها أحمد حسن أعتقد أننا يجب أن نتوقف عندها قليلاً لأنها تعبر عن منطق وتفكير قطاع عريض من الناس. سأل الكابتن أحمد حسن مستنكرًا: «هو عمرو أديب عمل إيه لمصر؟»، وهذا السؤال صار فزاعة فى وجه الجميع، وشعاراً يرفعه كل من يختلف مع شخص فى رأى أو وجهة نظر، فوراً يحتقن وجهه ويقول لك غاضباً: «وإنت بسلامتك بقى عملت إيه لمصر؟!!»، فيصيبك الخرس والوجوم، وتسأل نفسك وأنت تغرق فى عرقك: «هى العمايل بتبقى إزاى لمصر؟»، لازم ألعب كورة وأجيب جون والناس تسقف ومظاهرات شارع جامعة الدول تخرج علشان أبقى عملت حاجه لمصر!، ماذا يفعل الموظف البسيط الذى أقصى ما يفعله لمصر أن يؤدى وظيفته بأمانة ويتعامل مع الجمهور بود واحترام؟، هل هذا ناكر لجميل مصر ولم يرضع من وطنيتها ولم يشرب من نيلها أو يغنيلها؟!! ماذا يفعل الزبال الذى يجمع القمامة لكى لا يُواجه بهذا الاتهام؟ ماذا يفعل الطبيب والمهندس والمحامى والفران وبائع الجرائد وماسح الأحذية وخريج كلية التجارة الذى يبيع الأقلام الجاف ومشابك الغسيل والملابس الداخلية ويخرجها من حقيبة العجائب فى مصالح الحكومة؟ هل كل هؤلاء لا يحبون مصر ولم يفعلوا شيئاً لمصر لمجرد أن الله لم يمنحهم موهبة اللف حول الكرة سبعين مرة فى الدقيقة، والنظر يمين وشمال لمدة ساعة قبل التمريرة كمن يترقب لحظة القبض عليه مثل الكابتن أحمد حسن؟! عمرو أديب إعلامى ناجح ومجتهد، هناك من يختلف معه وهناك من يتفق، وهذه هى سنة الحياة عامة، والإعلام خاصة، ولكن أعلى سقف يستطيع الوصول إليه مقدم برامج توك شو من أجل أن يخدم ويعمل حاجه لمصر هو أن يخبر المشاهدين بالخبر الطازج، ويبذل جهده مع فريق الإعداد لكى يختار ضيوفاً هم الأنسب للتحليل والنقاش، ولا يتنازل ويقبل أنصاف الحلول ويختار ضيوفاً نص نص، وهذا ما تفعله أيضاً الإعلامية اللامعة منى الشاذلى، ويفعله معتز الدمرداش وشريف عامر...إلخ، يقول لك معترض: ودول عملوا إيه لمصر بكلامهم ده، دول ماعرقوش!!، وحكاية العرق فى ثقافة الوطنية المصرية مسألة قديمة، ترتبط بأن الجهد المعترف به هو الجهد البدنى وليس الجهد الذهنى، فتجد من يصف كاتباً بأنه راجل فاضى صايع قاعد طول النهار على المكتب وما بيعرقش، أو من يصف عالماً فى علم الحيوان بأنه طول النهار قاعد يشرح فى الضفدعة والأرنب وسايب مصر وبرضه ما بيعرقش، أو من يسخر من خبير البرمجيات اللى قاعد الأربعة وعشرين ساعة يدق على الحديدة اللى قدامه، أو مؤلف قصص الأطفال الذى يشغل نفسه بالعيال!. مصر.. هذا الكيان الذى حولناه لجورب «أول سايز» نقلبه وقتما نشاء، ويتسع لكل ما نردده من أكاذيب وقتما نشاء، نسجن البعض بتهمة تلويث سمعتها ونمنح النياشين للبعض لأنهم رفعوا راسها، ومصر لا ترد على سؤالنا الخالد: إنتى مين وساكنة فين، ويا ترى سيدركنا الموت قبل أن نراك؟!!.