تراقب إسرائيل ما يجرى فى إيران من تفاعلات سياسية، وعمليات شد وجذب بين أنصار الرئيس الفائز أحمدى نجاد، ومؤيدى منافسه الخاسر مير حسين موسوى، عن كثب بالمتابعة والتحليل، غير عابئة بالتصريحات الدبلوماسية التى عادة ما تطلقها القوى الكبرى من عينة «الانتخابات شأن داخلى»، و«سنتعامل مع الفائز أيًا كان، طالما جاء عبر صناديق الاقتراع»، فلإسرائيل مرشحها المفضل، حتى على مستوى الرئيس شيمون بيريز، بل ينقسم المحللون والمتابعون للشأن الإيرانى فى تل أبيب ما بين مفضل لموسوى، ومُؤْثر ٍلنجاد، انطلاقا من مقولة «عدو عدوى صديقى»، وهو ما تحدثت عنه صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» باستفاضة مؤخرا، محذرة من الانخداع ب«الصورة اللطيفة»، التى يصدرها موسوى لنفسه أمام الغرب باعتباره إصلاحيا. إفرايم إندار، مدير مركز «بيجين- السادات»، التابع لجامعة «بار إيلان» الإسرائيلية، يرى أن «مجرد وصف موسوى بالمعتدل والإصلاحى لا يعنى أنه رجل صالح، ففى النهاية، لم يكن ليصل للترشح لمنصب الرئيس، لولا مباركة المرشد الأعلى لإيران»، ولذلك، يرى أنه لو بقى نجاد رئيسا للبلاد، ستكون إسرائيل على دراية تامة بكيفية التعامل معه مسبقا، أما لو انقلبت الأمور وجاء موسوى، فسيكون ذلك بمثابة مواجهة «أفعى متجملة». ويرى أصحاب هذا الرأى فى إسرائيل أن نجاد، رغم تهديداته النارية وتصريحاته ب«محو إسرائيل من على الخريطة»، يشكل خيارا أفضل لتل أبيب، إذ إنه سيسهم بسياساته الثيوقراطية فى الإمعان فى عزل طهران عن محيطها الإقليمى والدولى، فى حين سينجح موسوى فى تحسين علاقات بلاده مع المجتمع الخارجى، وسيجتذب تعاطفه، لكنه لن يعمل فى نهاية المطاف على وقف البرنامج النووى لإيران، وهو ما سيظل يشكل تهديدا للدولة «اليهودية»، «أكثر من أى دولة عربية مجاورة لها». وبحسب هؤلاء المراقبين، فإنه على الرغم من أن موسوى كان قد انتقد نجاد، خلال حملته الانتخابية، لتسببه فى تشويه صورة إيران أمام الغرب نتيجة طريقة تعامله مع قضية الهولوكست، فإن البرنامج النووى لم يبدأ العمل به فى إيران إلا فى ظل الحكومة التى تولى موسوى رئاسة حكومتها عام 1980. بل يرى المحلل والإعلامى الإسرائيلى- إيرانى المولد- ميناشى أمير أن كلا من نجاد وموسوى «ينتميان للمدرسة نفسها»، وهو ما تجلى- برأيه- عندما أبدى الأخير دعمه الكامل ل«الجماعات الإرهابية» من «حماس» إلى «حزب الله». أما مائير داجان، رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد»، فيؤكد فى هذا السياق أنه إذا ما حل موسوى نهاية الأمر محل نجاد، فإن إسرائيل ستواجه «مشكلة حقيقية»، إذ سينبغى عليها أن تفسر للولايات المتحدة والغرب الخطورة التى تشكلها إيران على إسرائيل، فى وقت ستكون فيه علاقات طهران مع المجتمع الدولى قد بدأت فى التحسن. وإذا كان هذا الاتجاه يعبر عن قطاع كبير داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، فإنه لا يمثل الرأى الوحيد، فهناك من يدعم علنا الاحتجاجات الإيرانية لأنصار موسوى على نتائج الانتخابات، وعلى رأسهم شيمون بيريز، الذى أبدى مؤخرا تأييده لتلك التظاهرات، حاثًا نساء إيران «الشجاعات» اللائى خرجن للشوارع، اعتراضا على حكم نجاد، على استكمال مسيرتهن، معتبرا «أنه من الأهم أن يكون هناك تغيير فى النظام الإيرانى، على أن يكون هناك نهاية للبرنامج النووى المثير للجدل». ويدعم الكاتب الإسرائيلى، إيرانى الأصل، مائير جيفدانفار، هذا التوجه، مؤكدا أن نجاد قد يخدم علاقات إسرائيل الدولية، على المدى القصير، لكن موسوى سيكون أكثر فاعلية على المدى البعيد، لأنه يرغب بالفعل فى تهدئة التوتر القائم بين بلاده والمجتمع الدولى، كما يضم عالوف بن، المعلق الإسرائيلى فى صحيفة «هاآرتس»، صوته لصوت جيفدانفار، مدللا على «ضيق أفق استراتيجية السياسيين الإسرائيليين»، بقوله لمؤيدى نجاد إنه رغم كل ما أثاره الرئيس الإيرانى من استفزاز للولايات المتحدة والغرب على مدار السنوات الماضية، ظلت بلاده بمنأىً عن جميع عمليات الفحص النووى للجهات الدولية عن برنامجها، وهو ما شكل- ولا يزال- أكبر خطر على أمن إسرائيل.