قدمت مصر للعالم أسماء لامعة فى المجالات المختلفة، وكان د.«مجدى يعقوب» علماً بين تلك الأسماء التى تألقت فى «جراحة القلب المفتوح»، فأصبح واحداً من أبرز روادها، وأكثرهم شهرة فى «المملكة المتحدة» وخارجها، إنه خريج كلية الطب المصرية الذى تبناه أستاذه الدكتور «أبو ذكرى»، وعندما رأى فيه سمات النبوغ ومظاهر التفوق نصحه بأن يضرب فى الأرض طلباً لعلم أكثر وإمكانات أكبر، لأن ملامح النجابة فيه كانت توحى بقدراته المتميزة ومستقبله الباهر، فلم يخرج مضطهداً كما زعم البعض أو متخطى فى التعيين بالجامعة ولكنه خرج بإرادته والأمل يحدوه بأن يكون سفير «الطب الفرعونى» و«الجراحة المصرية» إلى العالم المعاصر، ومصر تعتز به مثلما تعتز ب«بطرس بطرس غالى» و«رمزى يس» وغيرهما من الأسماء المتألقة فى التخصصات المختلفة ممن خرجوا من صفوف أقباط مصر وهم من أعرق سلالات الأرض الذين نرى فيهم امتداداً للعظماء من أمثال «على مشرفة» و«أحمد زويل» و«نجيب محفوظ» و«محمد البرادعى» فهذا الوطن يتيه بأبنائه ويباهى برموزه، ومازلت أتذكر د. «مجدى يعقوب» فى مطلع السبعينيات عندما رأيته أول مرة فى ردهة القنصلية المصرية العامة فى «لندن» قادماً للحصول على تأشيرة دخول لزوجته التى كانت تنتمى لدولة «ألمانياالغربية» حينذاك، وكيف كان يبدو، ولايزال، شديد التواضع تسعى إليه الأضواء فينصرف عنها ولا يلهث وراء منصب أو موقع، وعندما كرمته ملكة بريطانيا بمنحه لقب «سير» كان يذوب تواضعاً وانزواءً، أما عن قدراته فى ميدان عمله فحدث ولا حرج، ولقد تابعت بنفسى تنازله المتكرر عن أتعابه الشخصية لجراحات الكثير من المصريين خصوصاً غير القادرين منهم، وعندما أنشأ تلك الجمعية الإنسانية الراقية التى يطلق عليها «سلسلة الأمل» Series of Hope، والتى تسعى وراء قلوب الكبار والأطفال فى مجاهل أفريقيا وأنحاء آسيا وأطراف العالم الأخرى، حيث يجرى خلالها طاقمه المتطوع جراحات القلوب المجانية لفقراء الدنيا بلا تفرقة بسبب جنس أو لون أو دين، وقد اختص «مجدى يعقوب» وطنه الأصيل مصر برعاية خاصة واهتمام أكبر وامتد نشاطه من القاهرة إلى الإسكندرية حتى أسوان، حيث يتبنى فى الأخيرة واحداً من أميز المراكز الطبية المعنية بجراحة القلب مدفوعاً فى ذلك بمشاعره الإنسانية وانتماءاته الوطنية، يغزو الأحياء الفقيرة من خلال المستشفيات العامة حتى أصبح رمزاً إنسانياً رفيعاً للعطاء والمروءة فهو يقدم وقته وجهده فى هذه السن المتقدمة نسبياً بلا مقابل مادى على الإطلاق، ويكرس السنوات الباقية من عمره لخدمة الإنسان فى كل مكان، ومن مآثر هذا العالم الكبير أنه يدفع غيره نحو الأضواء ويشيد بالأطباء والطبيبات من جيل الشباب، وعندما احتاج طفل من أقاربى لتدخل جراحى بسيط فى القلب حضر الرجل بقامته العالية ومكانته الكبيرة مناظرة حالة الطفل فى مستشفى «أبوالريش» للأطفال بالقاهرة، وجلس فى تواضع يناقش الطبيبات والأطباء وهم فى عمر أبنائه حول الحالة ويوجههم إلى ما يفعلون ويعطيهم ثقة كبيرة فى أدائهم الناجح وعملهم المتميز، وهو يصطحب معه أحياناً عند زيارته لوطنه ابنته التى يريد لها أن تتحدث العربية والتى يغريها بدروس إتقان اللغة فى بعض الجامعات المصرية. إنه «مجدى يعقوب» الذى دخل ميدان الطب وتخصص فى «جراحة القلب» عندما عانت «عمة» له من مرض فى القلب، ولم يكن الطب وقتها قادراً على تشخيص حالتها وتوصيف الداء والدواء لها. وتجمعنى حالياً بذلك الجراح العالمى الناجح عضويتنا المشتركة لمجلس أمناء «الجامعة البريطانية» فى مصر على نحو يتيح لى أن أراه مرتين على الأقل كل عام، وهو هو لم يتغير، هدوء واضح وسلام شديد مع النفس وقناعة كاملة بحظه فى الحياة وقدرة راقية على المداخلات الرصينة لإبداء الرأى السديد فى الوقت المناسب، ومازلت أتذكر أننى كثيراً ما أتصل به على رقمه المحمول فى «لندن» أو من خلال سكرتاريته الثابتة فى العاصمة البريطانية فإذا به يستجيب فوراً لمطلب إنسانى أو نجدة جراحية عاجلة فى قلب يحتاجها، وأتذكر منذ عامين موقفاً غريباً للغاية إذ اتصلت بى أسرة مصرية تشكو من تدهور الحالة الصحية لعائلها وأملهم فى أن يناظره الدكتور «مجدى يعقوب» بالعاصمة البريطانية فى أقرب وقت، لأن الحالة عاجلة ولا تحتمل التأخير، فأجريت اتصالاً هاتفياً به فإذا بالدكتور «يعقوب» موجود وقتها فى القاهرة مصادفة يواصل مسيرته الإنسانية الرائعة فحدثته عن الحالة فطلب منى حضور المريض فوراً إليه، وكم كانت حالة الذهول شديدة لدى تلك الأسرة المصرية التى كانت تستعد للسفر إلى د. «مجدى يعقوب»، ولو بعد عدة أسابيع لإنقاذ مريضهم فإذا بالدكتور «يعقوب» يستقبل المريض فى المستشفى بالقاهرة بعد أقل من ساعتين من اتصالى به، حيث استطاع أن يشخص الحالة وأن ينقذ حياة ذلك المريض المحظوظ بالتدخل الفورى لإجراء جراحة له.. ذلك هو «مجدى يعقوب» الذى لا يفرق بين مرضاه بسبب الغنى أو الفقر، ولا يميز بينهم بسبب الدين أو الجنسية، لأنه يؤمن بالإنسان قبل كل شىء.. وسوف يظل الرجل العظيم مواصلاً عطاءه ما بقيت «سلسلة الأمل» الذى يزرعه فى قلوب البشر!