هل تحول المجتمع المصرى إلى مجتمع يقدس العنف؟ هذا هو السؤال الذى أصبح محل اهتمام الباحثين الاجتماعيين فى السنوات الأخيرة لمواجهة واقع يبدو أكبر من كونه مجرد ظاهرة عارضة. وفى دراسة حديثة أعدها الدكتور معتز سيد عبدالله، المدير السابق لمركز البحوث والدراسات النفسية بجامعة القاهرة، وصدرت عن دار غريب لعام 2009، ناقش أسباب الظاهرة كما تتجلى داخل الجامعات. يقول معتز فى دراسته إن العنف فى الجامعات المصرية لم يصل إلى مستوى الخطورة أو السلوك النمطى المتكرر، ولا يمثل ظاهرة لأنه معتدل ويحدث فى إطار التفاعل الاجتماعى الطبيعى بين الطلاب وبعضهم وبين زميلاتهم من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن الجرائم العنيفة التى ارتكبها طلاب وفقا لإحصاءات الأمن العام كانت القتل العمد والضرب الذى أفضى إلى الموت، فإنها جرائم لم تكن موجهة إلى زملائهم فى أغلب الاحيان لأن أغلبها يقع خارج نطاق الجامعة وتحدث فى سياق التفاعل الاجتماعى. وترجع الدراسة نفسية الطالب العنيف إلى التعصب والغضب والاندفاعية والبحث عن الإثارة، فالطالبات يبحثن عن إثارة أكثر فى جرائمهن على عكس الشباب الذين يندفعون وراء جرائمهم بسبب الغضب، فى حين كان التعصب أحد أهم أسباب عنف الأساتذة والدولة. وأضافت الدراسة أن الطلاب ارتكبوا أغلب أنواع الجرائم كالقتل والضرب المفضى إلى الموت والخطف والاغتصاب والتهديد والسرقة والحريق العمد بنسب متفاوتة، تقترب من نسب ارتكاب باقى قطاعات المجتمع لهذه الجرائم، لكن الضرب المفضى إلى الموت هو الجريمة الأكثر انتشاراً بين الجامعيين. وتتمثل دوافع القتل عند الطالبات فى الانتقام ردا على التشهير والإساءة أو التملص من وعود الزواج، بينما كانت دوافع الطلاب أقل شدة وغالباً لأشياء تافهة كاللعب والمزاح والخلافات. وأضافت الدراسة أن من مظاهر العنف فى الجامعات المصرية انحراف الطلاب السلوكى وتدهور المستوى التعليمى، والشغب فى قاعة المحاضرات، والخناقات الكلامية، والزواج العرفى، وتبادل استخدام الألفاظ البذيئة، وسوء معاملة الطلاب لزميلاتهم وترتيب المشاجرات الجماعية خارج الجامعة، والمظاهرات الدينية التى تعبر عن الاحتجاج الدينى السياسى، وهو يقع فى إطار الدرجات المعتدلة أو المقبولة من العنف ولا تترتب عليها مضار أو آثار خطيرة بحيث يمكن اعتبارها ظاهرة سلبية تهدد مسيرة الحياة الجامعية. وتوضح الدراسة أن هناك اتفاقاً بين الطلاب والطالبات فى إدراكهم لأسباب العنف إذ أقروا أنها تعود إلى النظرة السلبية للمستقبل من جانب الشباب، والتفكك الأسرى والشعور بعدم الانتماء وإدمان الخمور والكحوليات، وعدم الالتزام بتعاليم الدين ونقص فرص العمل بعد التخرج، إضافة إلى ضغوط الحياة وافتقاد الحوار العلمى بين الطلاب والأساتذة وزيادة أعداد الطلاب داخل الجامعة، وغياب الجانب التربوى فى العملية التعليمية وعدم تفهم الأساتذة احتياجات الطلاب، وسوء الأحوال الاقتصادية للدولة ونظام التعليم التقليدى الذى لا يشجع على الإبداع والروتين الإدارى، وعدم تكافؤ الفرص وغياب القدوة الحسنة وتقليد الطلاب عنف وسائل الإعلام والاضطرابات النفسية. أما الحلول المقترحة لعلاج مشكلة العنف فإن الدراسة توصى بتنمية الشعور بالانتماء، وتوفير فرص عمل لخريجى الجامعات والمساواة والعدالة والقضاء على الفساد فى الجامعة، وتوسيع نطاق الحريات السياسية وتأكيد القيم التربوية. العنف فى الحياة الجامعية المؤلف : د. معتز سيد عبدالله عدد الصفحات: 319 الناشر : دار غريب