خسارة هذا الإهدار للموهبة الذى مارسه الفنان عادل إمام فى فيلمه الأخير (بوبوس) الذى سبقته ولحقت به كالعادة دعاية واسعة تبشر بإنتاج فنى رائع يتناول بشكل ساخر مشكلة أو مشاكل المتعثرين مع البنوك المصرية من رجال الأعمال وأشباههم وهروبهم بالذات إلى لندن وفى أعناقهم فلوس المصريين. لا تعرف ما إذا كان الغرض من الفيلم هو إدانة سارقى البنوك أم تحسين صورتهم، اتهامهم أم التعاطف معهم، الضحك عليهم أم الضحك علينا نحن الذين ذهبنا لرؤية هذا الفيلم الذى يدعى السياسة ويدعى الوطنية ويمارس بخفة شديدة انتقاد الحكومة ومهاجمة رؤساء البنوك فى قليل من مشاهده ويحشرها وسط كم هائل يستغرقه الفيلم كله من مشاهد العرى والجنس والقبلات والإفيهات والكلمات المعاقب عليها رقابياً والمسموح بها - على غير العادة - فى (بوبوس). اسم الفيلم يبدو طفولياً، واسم عادل إمام وأشرف عبدالباقى يوحى بالكوميديا ويؤهل للضحك وبالتالى فإن عدد الأطفال الذين تراهم إلى جانبك وأنت تشاهد الفيلم والذين اصطحبهم الأهالى معهم يفوق أو يعادل عدد الكبار، وذلك أن الحيرة التى تصيب ذويهم من جراء هذه المشاهد الساخنة والملتهبة مما دفع البعض إلى مغادرة السينما ودفع كثيرا من الأطفال إلى الانصراف عن متابعة الفيلم والتجول بين المقاعد وعبر الممرات. فى السينما الأجنبية يختار الفنان أدواره بعناية، يلحظ عمره، وحجمه، وملامحه وتاريخه وأدواره السابقة، ونضج موهبته ومشوار أبناء جيله وظهور وجوه جديده إلى جانبه، ويعى كل ذلك ويتطور مع أدواره ومع الشخصيات التى يجسدها، شاب العشرين والثلاثين يقدم أدواراً أخرى وهو فى الخمسين والستين وشخصيات ثالثة وهو فى السبعين وما بعدها، بديهية يدركها كل فنان يحرص على ماضيه وعلى مستقبله وعلى جمهوره فإن لم يدركها وحده يدركها المخرج أو المنتج أو المؤلف بل ويفرضها، لكن فى مصر وفى حالة عادل إمام وبمناسبة تفصيل الأفلام على مقاس النجم أو على ذوقه ورغبته فإن هذه القاعدة تنكسر والناتج دور غير ملائم وشخصية لاتوائم هذا الفنان الكبير الذى يملك رصيداً ضخماً لدى الجمهور لكنه يبدده ويبعثره على أفلام متتالية تتعجب من سرعة كتابتها وسرعة تصويرها، يتحدث أصحابها عن فكرة، مجرد فكرة لم تتبلور بعد وتحتاج لوقت طويل حتى تصبح سيناريو سينمائياً له وزنه وثقله وفنيته، لكن الفكرة سرعان ما تصبح فيلماً سينمائياً بسرعة البرق والناتج فكرة لم تكتمل وفيلم لم ينضج على نار هادئة ودور غير ملائم وغير مناسب وعمل منتقد ومهاجَم. على تيمة الجنس والسياسة والدين يلعب عادل إمام دائماً، بعض الدين وبعض السياسة التى يضرب فيها ويلاقى، يهاجم ويهادن، يشجب ويتراجع، ينتقد وينسحب، يوحى بالمعارضة وبالانحياز إلى حقوق الغلابة ويستمتع بالشعور بالزعامة، كثير من الجنس عديد من القبلات، أحضان، سيقان تلميحات وغمزات وكلمات وتعليقات صادمة خادشة ستفاجأ بها لأول مرة فى أفلام عادل إمام ثم تصبح موضة بعد ذلك فى أفلام أخرى، تركيبة وجدت هوى فى نفس صاحبها عادل إمام وجاءت بغزارة فى فيلمه الأخير ولدى محبيه ووجدت على الجانب الآخر لوماً وانتقاداً من الحريصين عليه كموهبة فنية مصرية كبيرة يصمم صاحبها أن يبددها ويستنفدها ويضيعها فيما لايليق ولا يبقى. عديد من النجوم فى فيلم (بوبوس) حول الفنان عادل إمام - كعادته- جوقة تتمحور وتتجمع حوله، أدوار صغيرة متناثرة غير ممتدة تظهر ويختفى صاحبها يسجل وجوده فقط فى فيلم لعادل إمام على اعتبار أن ذلك شرف لايضاهيه شرف آخر حتى ولو كان صاحبه يظهر ليرقص، أو يُضرب أو ينتحر، أو يبلع قرصين فياجرا فقط، كلهم سنيدة للزعيم وهذا يكفى، امتد دور أشرف عبدالباقى نوعاً ما فلم تظهر موهبته ولم تتأكد نجوميته التى لم يعد يلائمها هذا الظهور الهامشى، أما يسرا فقد كانت ملابسها للحق منتقاة بعناية، وتبخرت موهبتها الرائعة هى الأخرى وهى تلهث طوال الفيلم وراء الدون جوان عادل إمام الرجل الذى لا يقاوم والذى تقع صريعة جاذبيته وبين ذراعيه كل النساء. خسارة موهبة وائل إحسان المخرج، وخسارة موهبة يوسف معاطى الكاتب، خسارة كل هذه المواهب التى تتراجع وتتآكل وتُهدر وهم القادرون جميعاً على تقديم ماهو أفضل من ذلك بكثير. [email protected]