وصلتنى رسالة عبر بريدى الإلكترونى أنشر ملخصها لما تحويه من خبرة مفيدة لكل من يفكر فى أخذ طريقه فى اتجاه الهجرة خارج بلده. القصة لشاب مصرى مقيم فى أحد بلدان المهجر، كان فى بداية حياته العملية يعيش حياة هادئة مستقرة فى مصر بعد أن تخرج فى كلية الصيدلة جامعة القاهرة، وتزوج من فتاة أحلامه التى كانت فى الوقت ذاته زميلته فى الدراسة. فور تخرجه عمل فى الصيدلية التى يمتلكها عمه، وسكن فى الشقة التى تركها له والده بعد وفاته.. وبعد ثلاث سنوات من الانتظار والدوران على عيادات الأطباء أنعم الله عليه بولدين توأم. كانت الحياة جميلة على بساطتها، عامرة بالدفء الأسرى، إلى أن جاء اليوم الذى توفى فيه العم، واشتعلت الحرب بين الورثة مما أدى إلى إغلاق الصيدلية. فجأة وجد نفسه عاطلاً عن العمل بعد أن كان بمثابة مالك المكان ومديره. بعد طول بحث عن عمل يماثل مكانته وخبرته السابقة، وبعد فشل محاولاته المتكررة، قرر الاستماع لنصيحة البعض من أصدقائه بالانضمام لفريقهم الذى باع أغلى ما يملك لأجل أن يحظى بفرصة لتقديم أوراقه إلى بلد المهجر. بعد شقاء وعناء وطول انتظار، أخيراً جاءت الموافقة على الهجرة. منذ البداية كانت زوجته ضد الفكرة، لكنها وافقت تحت ضغط يأسه وإحباطه من العثور على عمل مناسب هناك، فى ذلك البلد البعيد من القارة البعيدة، وكانت تجربته مريرة، فشهادته الجامعية القاهرية تعتبر عندهم ناقصة ومتخلفة عن ركب التقدم العلمى، وخبرته العملية لنحو خمسة عشر عاماً فى بلده اعتبروها بلا قيمة بالنسبة لمقياسهم فى سوق العمل، أما سنوات عمره التى تجاوزت منتصف الثلاثين، فاعتبروها كبيرة جداً بالنسبة لشخص فاقد للمؤهل العلمى والخبرة التى يتطلبها سوق العمل عندهم. لم يبق أمامه إذن والحال كذلك ليسد احتياجات المعيشة الأساسية له ولأسرته، سوى القبول بالعمل كبائع متجول لبعض شركات الأدوية يتقاضى أجره بالعمولة، أما زوجته فلم تجد من وسيلة سوى العمل كبائعة فى أحد المتاجر بأقل أجر للساعة، وهو ما انعكس على علاقة الزوجين والأبناء بالسلب. يقول صاحب الرسالة: أكتب لك عن تجربتى لتوعية شباب بلدى بالواقع المعيشى فى بلدان المهجر حتى لا ينخدعوا بمظاهر الرفاهية الحضارية هناك. فالنجاح هنا يحتاج لشروط ومواصفات خاصة للشخصية، أهمها أن يكون فى مقتبل سنوات عمره العشرين، وأن يكون معه رأسمال يكفى لإعالة نفسه لمدة عامين قبل العثور على عمل مستقر. كذلك أن يكون قادراً على دفع المصروفات الدراسية الباهظة للحصول على مؤهل علمى مهما كان بسيطاً حيث بدونه لن يتم قبوله فى سوق العمل هناك ذات المواصفات التنافسية العالية، كما تعتبر ميزة كبيرة أن يبدأ سنواته الأولى للهجرة وهو غير مقيد بمسؤولية إعالة زوجة وأبناء، وللأمانة أقول إن على المهاجر خارج وطنه بعيداً عن أهله وأصدقاء طفولته، اعتبار نفسه غصن شجرة بلا جذع يسنده ولا جذور تغذيه. ولتعويض هذا الوضع الهش عليه أن يكون قد تربى منذ طفولته على مواصفات خاصة للشخصية، من أهمها الاستقلالية، الاعتماد على الذات، الواقعية العلمية عند أخذ القرار، إضافة إلى المقدرة النفسية على سرعة التأقلم مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة باستمرار. فى نهاية الرسالة يدعو كاتبها كل من يرى فى نفسه هذه المواصفات كاملة دون نقصان، أن يتخذ خطواته نحو الهجرة بثقة واطمئنان، أما من يفتقد لجزء بسيط منها فيقول له عن تجربة: «لا وألف لا». [email protected]