شرفت بالانتماء إلى جريدة «المصرى اليوم» منذ صدورها منذ سنوات خمس، وقد كان لهذه التجربة أثر عميق على تطور وعيى، فالكتابة بشكل أسبوعى ترفع من درجة حساسية وإدراكى الشخصى لالتقاط ذبذبات الحياة والأزمات فى مصر، وتجبرك على التفكير فى موقعك من الأحداث. هذا بالإضافة إلى الكتابة فى جريدة تمنحك الحرية التامة فى التعبير عن وجهة نظرك، دونما أى قدر من الرقابة. ولكن كان لدى دوما تساؤل واستغراب عن غياب الثقافة من صفحات جريدة تقدمية استطاعت خلال عمرها القصير أن تحفر موقعاً متميزاً وتحقق مصداقية تفتقدها الآن الصحف الحكومية. وكلما قابلت أحد الأصدقاء العاملين فى الجريدة تساءلت عن سبب هذا التقصير فى حق قارئ يستحق أن يطلع على أحداث عالم الثقافة ومبيعات الكتب وحواديت وحوارات الكتاب وإبداعاتهم، التى تصر أن تتوالى وتتكاثر وسط مناخ سياسى فقير وجو اجتماعى خانق. ومن ثم جاء ملحق «الناشر»، الذى أطلقته الجريدة فى الرابع من يونيو 2009 كخطوة ضرورية تأخرت بعض الشىء، فمن حق قارئ جريدة مثل «المصرى اليوم» أن يرى الثقافة تحتل موقعاً خاصاً بها إلى جانب السياسة والمجتمع والاقتصاد وأخبار الحوادث. فهل يعقل أن تحتل أخبار الحوادث موقعاً ثابتاً بينما الثقافة غائبة! وقد كتب رئيس التحرير مجدى الجلاد فى تقديمه للملحق الثقافى «الناشر» فى عدده الأول أن الملحق يهدف إلى استعادة دور مصر الثقافى. وليسمح لى الجلاد أن أختلف معه قليلا أن دور مصر الثقافى لم يتغير، ولم تتراجع عنه الريادة التى اضمحلت فى مجال السياسة. ويرجع السبب فى استمرار دور مصر الثقافى لأسباب عدة لا مجال لتحليلها فى هذه المساحة، لكننى أود أن أركز على أحدها وهو اعتقادى أن ثمة علاقة عكسية تربط بين فترات التدهور السياسى والاجتماعى والانتعاش الثقافى، لأن الكتابة والفنون تزدهر فى فترات القحط، وسبب ذلك أن الإبداع يعتمد فى جوهره على فكرة الصراع من ناحية فيجد المبدع فى مجتمع مأزوم نفسه أمام فيض من الموضوعات، ومن ناحية أخرى تُحدث هذه الفترات استنفاراً فى لا وعى المجتمعات فتتحول الثقافة والفن والإبداع إلى حائط يصد التخلف والرجعية وفقر العقول مثلما يصبح نوراً كاشفاً يعرى أزماتنا، ومبضع جراح يفتح مناطق الوجع ليطهرها من قيح التطرف والجهل والتجهيل. لاأزال على اعتقادى أن أزمات المجتمع المصرى على جميع المستويات (سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية) لن تتضاءل إلا بتغيير جوهرى فى التعليم من ناحية، وفى الإعلام من ناحية أخرى. ولأن التعليم قضية معقدة تستلزم أداءً حكومياً مختلفاً وسياسات أكثر ثورية وحسماً فهى بالتالى قضية مؤجلة إلى أن يشاء المولى، أما الإعلام فهو سلاح فى متناول أيدينا، خاصة مع تكاثر أعداد الفضائيات ذات سقف الحرية المرتفع، ومع ترسخ موقع الصحف المستقلة. ومن هنا تزداد وطأة المسؤولية على الإعلام المستقل. استطاع ملحق «الناشر» على مدى الأسبوعين الماضيين أن يقدم وجبة أولية لقارئ متعطش للثقافة: تغطية لأسطوانات موسيقية، عروض كتب، حوارات، حديث عن النشر والتوزيع، تجارة الكتب على الإنترنت، كتاب عن مصر بقلم فرنسى وغيرها من الموضوعات، وإن كنت فى انتظار أن تفتح صفحات «الناشر» ذراعيها للإبداع فتقدم للقارئ فاتح شهية من نصوص الكتاب الصغار قبل الكبار، مما سيدفع هذا القارئ للسعى وراء الوجبة الكاملة فى كتاب. تحية صادقة لكل من ساند هذه الإشراقة الثقافية حتى خرجت إلينا وفى انتظار المزيد، فأنا لدى رهان على الحالة الثقافية فى مصر التى شهدت فى السنوات الأخيرة صحوة قوية تتجلى ليس فقط فى أعداد الكتب المنشورة وتكاثر المكتبات، ولكن أيضا فى ازدياد أعداد الجماعات الثقافية المستقلة ومنتديات الكتب والمدونات. ففى شباب هذه المجموعات غير المدعومين من أى جهة رسمية يتجلى وجه مصر المشرق رغما عن أنف القهر السياسى وموجات الرجعية.