أعطت تصريحات الرئيس الأمريكى باراك أوباما، لدى استقباله الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى واشنطن، مؤشراً واضحاً على استمرار ضغوط الولاياتالمتحدة على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات، الأمر الذى قد يصعّد الأزمة المكتومة فى العلاقات بين الحليفين التقليديين. وبدا واضحاً أن الرئيس الأمريكى سيستمر فى الضغط على نتنياهو لفرض تجميد كامل على بناء المستوطنات فى الضفة الغربيةالمحتلة، وتأييد هدف إقامة دولة فلسطينية، فى رسالة سياسية واضحة من البيت الأبيض لإسرائيل، تحمل أكثر من معنى أولها: أنه يجب على رئيس الوزراء الإسرائيلى أن يصغى جيداً لما يقوله له الرئيس أوباما، وهو أن السلام فى الشرق الأوسط مصلحة عليا للولايات المتحدة، وثانيها: أن الصراع العربى - الإسرائيلى بات سلاحاً بأيدى الأعداء من إيران إلى الجماعات المتطرفة، وأن محاولات كسب الوقت أمر لا يجدى إذ إن الوقت ليس فى صالح إسرائيل أو السلام. لقد فهم هذا التأكيد من قبل الرئيس أوباما بأن هناك انسجاماً كبيراً بين مطالب الرئيس الفلسطينى والرئيس الأمريكى من حكومة نتنياهو، وأن هناك أولويات لابد من مناقشتها، والوصول بها إلى حلول، يأتى على رأسها التوسع الاستيطانى السرطانى، الذى أخذته الحكومة الإسرائيلية الجديدة على عاتقها. غير أن لنتنياهو رؤية أخرى فيما تراه إدارة أوباما بشأن الاستيطان تحديداً، إذ سارع فور عودته من واشنطن وأعد مع نائبه وزير الدفاع إيهود باراك اقتراحاً بصفقة لعرضها على الإدارة الأمريكية وتتضمن تعهداً إسرائيلياً بإزالة البؤر الاستيطانية، «وهى المستوطنات الصغيرة التى أقيمت فى الضفة الغربية بمبادرة من المستوطنين دون الحصول على تراخيص حكومية، مقابل تنازل واشنطن عن مطلبها الملح فى تجميد البناء داخل المستوطنات التى تعتبرها إسرائيل شرعية». هذه البؤر الاستيطانية كانت قد بدأت منذ عام 1996 إبان حكومة نتنياهو الأولى، التى استولى فيها المستوطنون على آلاف الدونمات من الأراضى الفلسطينية، لبناء بؤر استيطانية فى عشرات المواقع، ليس بهدف البناء والتجاوب مع احتياجات التكاثر الطبيعى، بل لتمزيق تواصل البلدان الفلسطينية، وإنشاء تواصل وامتداد جغرافى بين المستوطنات. وكان عباس قد قرر وقف المفاوضات مع إسرائيل، ورفض استئنافها قبل وقف الحكومة الجديدة الاستيطان بقوة، لكن نتنياهو وفى إطار محاولة صد الضغط الأمريكى لوقف البناء فى المستوطنات يحاول جاهداً تجديد التفاهمات الخطية والضمنية القائمة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة منذ عام 2001، التى رسمت حدود «المتاح والمحظور» فى المستوطنات، فكانت تلك التفاهمات بعضها مكتوب وبعضها شفهى وتم التوصل إليها فى عهد رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت والرئيس الأمريكى حينها جورج بوش، والتى بموجبها استمرت إسرائيل بالبناء فى المستوطنات، ورغم عدم اعتراف الإدارة الأمريكية حينها رسمياً بالتفاهمات، إلا أنها غضت الطرف عن مشاريع البناء الجديدة فى المستوطنات ولم تنتقدها بحدة، الأمر الذى منح حكومة أولمرت الفرصة لبناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية فى الضفة الغربيةوالقدسالمحتلة، خاصة أن من ضمن هذه التفاهمات رفض أى تقييد للبناء الاستيطانى فى القدسالمحتلة. لكن عباس يعول كثيراً على أن تتخذ إدارة أوباما موقفاً مغايراً عن الإدارات السابقة فى شأن المستوطنات يكون ملزماً لإسرائيل، لاعتقاده بأن أوباما جاد فى أن تكون الأولوية لحل القضية الفلسطينية فى الشرق الأوسط، أما إلى أى حد يمكن تطبيق ذلك، فهذه مسألة تعود للرئيس أوباما، وقدرته على وضع الأمور فى نصابها، خاصة أن أوباما يدرك جيداً أن موضوع الاستيطان والتوسع الاستيطانى لن يكون أمراً سهلاً فى المفاوضات المقبلة، فهى إشكالية كبيرة تعترض طريق عملية السلام برمتها، وطالما كانت محوراً للتجاذبات والإخفاقات التى واجهت المفاوضات بين الفلسطيين وإسرائيل. نتنياهو يتذكر جيداً أن حالة كهذه سادت فى العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية أيضاً فى دورة حكمه السابقة «1996 - 1999»، وفى حينه جرب مع الرئيس بيل كلينتون لعبة «الموافقة والمماطلة» وكلفته هذه اللعبة غالياً، فقد سقط عن كرسيه فى الحكم، وهو يدرك وفقاً لكل التقارير التى يعدها له خبراؤه الإسرائيليون وأصدقاؤه الأمريكيون أن أوباما يختلف عن كلينتون بصورة أشد، فهو يظهر حزماً أكبر، ويبين أنه يتعجل فى الأمر، ولن يسمح بالمماطلة، ولديه أجندة واضحة وربما خطة سلام واضحة لا يسهل رفضها!!