يعتقد الكثيرون أن نجاح حمدى خليفة فى انتخابات نقابة المحامين على منصب النقيب مفاجأة مدوية.. ولكننى أرى أن هذا التغيير، على أهميته، لا ينطوى على أى مفاجأة، وإنما هو نتيجة طبيعية لتحولات فارقة فى هذه المعركة.. بل يمكننا القول إن المفاجآت الحقيقية حدثت فى انتخابات أعضاء المحاكم الابتدائية، وفى طبيعة هذه المواجهة الساخنة على المستوى السياسى.. ودعونا نقرأها بالتحليل الموضوعى، دون النظر إلى ما جرى فى السطح، وسنجد أنها بداية مرحلة جديدة فى النقابات المهنية بالكامل. فى البدء.. ينبغى أن نرصد حالة العزوف الحزبى عن انتخابات النقابات، خلال العقدين الأخيرين، وهو ما أتاح لجماعة الإخوان المسلمين الاستحواذ على معظم النقابات الكبرى، عبر تنظيم قوى ينتشر فى جميع المحافظات.. وليس أدل على ذلك من تشكيل مجلس نقابة المحامين السابق، الذى كان يضم 17 إخوانياً من بين 25 عضواً، ولا يختلف الأمر فى نقابتى الأطباء والمهندسين كثيراً.. فقد ترك الإخوان - على مدى سنوات طويلة - مجلس الشعب للحزب الوطنى والأحزاب الأخرى، وقرروا السيطرة على النقابات المهنية. هذا الوضع أدى - قطعاً - إلى إضفاء الصبغة السياسية على النقابات.. وبات طبيعياً أن يمارس الكثيرون السياسة داخل النقابات، وليس الأحزاب.. والمحصلة أن النقابات خسرت دورها المهنى الأهم.. وأن الأحزاب ماتت فى مقارها.. فما الذى حدث فى انتخابات نقابة المحامين؟! التحول الحقيقى، والمفاجأة الكبرى فى هذه الانتخابات، هى دخول الحزب الوطنى متحالفاً مع كوادر أحزاب أخرى فى مواجهة مباشرة مع «الإخوان»، من خلال ما اصطلحوا على تسميته «القائمة القومية».. هذه معلومات حقيقية، وليست تحليلاً، وأتحدى قيادات الحزب الوطنى أن تنفى أو تنكر ما دار فى غرف العمليات وأمانة التنظيم، على مدى أربعة أشهر كاملة.. الحزب أدرك أن «الإخوان» اختطفوا النقابات، فقرر توظيف كل إمكانياته التنظيمية وتحالفاته مع الكوادر الحزبية من المعارضة لاستعادة نقابة المحامين، فتم تسخير كل أدوات التنظيم فى المحافظات لدعم مرشحى «القائمة القومية» الذين تم اختيارهم من المحامين أنفسهم فى استطلاعات رأى مبكرة، وأتاح الحزب خبرته التنظيمية لكل المرشحين سواء مرشحيه أو مرشحى الأحزاب الأخرى. تلاقت هذه الخطة مع رغبة سامح عاشور فى تحرير النقابة من سيطرة الإخوان والسياسة عليها، فانضوى تحت القائمة القومية ذاتها.. وكانت النتائج هى المفاجأة الحقيقية.. حصلت القائمة القومية على 28 مقعداً (20 وطنى - 3 أحزاب - 5 مستقلين) وقائمة «الإخوان» على 16 مقعداً (13 إخوان - و3 أحزاب)، والمستقلون من خارج القوائم (مقعدين).. غير أن سامح عاشور فشل فى الحصول على مقعد النقيب.. والأسباب كثيرة، كما يرى المراقبون من داخل النقابة: أهمها أن ما يقرب من 30٪ من الأصوات التى حصدها منافسه حمدى خليفة كانت من «الإخوان»، ولكن هذا لا يكفى، إذ دفع سامح عاشور فاتورة إجمالية لأخطائه خلال الدورتين السابقتين، ومنها «التصويت العقابى» ضده، بسبب معاركه العنيفة فى النقابات الفرعية، وظهور جيل شاب بين المحامين يطالب بالتجديد، ويأخذ على «عاشور» عدم اهتمامه بالتطوير المهنى للنقابة، فضلاً عن انحياز بعض أعضاء وكوادر الحزب الوطنى بالمحافظات إلى «حمدى خليفة»، انتقاماً من «سامح عاشور»، لهجومه المستمر ضد الحزب والحكومة. هكذا سارت المعركة.. وهكذا قررت الأحزاب مقارعة «الإخوان» فى النقابات.. والبداية فقدان الجماعة للأغلبية فى «المحامين».. فهل تشهد النقابات الأخرى معارك مشابهة؟!.. الإجابة عند الحزب الوطنى وأحزاب المعارضة.. والإخوان أيضاً! [email protected]