قضية لا تنتهى ومشكلة لا حل لها منذ عقود من الزمان، قضية حقوق الصحفيين المالية. دورات نقابية عديدة ومتواصلة، وعود من نقباء ومجالس للنقابة لم يستطع أى منهم أن ينفذها. الراية المرفوعة دائماً فى كل انتخابات لنقابة الصحفيين، حقوق الصحفيين، من أجل حياة كريمة، من أجل مستوى أفضل للصحفيين، هذه الشعارات وغيرها رفعت أثناء وبعد انتخابات عديدة للنقابة، ولكن لم تتحقق. مؤخراً رفعت الحكومة يدها عن بدل الصحفيين الجدد، المجلس الأعلى للصحافة قاوم هذه الخطوة الحكومية السخيفة، ولكن الحكومة رفضت أن تعطى الصحفيين الجدد البدل، وهؤلاء الصحفيون الجدد لا يعرفهم أحد، لأنهم فى علم الغيب، لذلك لا يستطيع أحد أن يدعى أن من يدافع عنهم له غرض أو مصلحة معهم، لكننا نتناول المبدأ، والحقوق المتساوية للجميع كما نص عليها الدستور. أعلم تماماً الجهود التى بذلها المجلس الأعلى للصحافة برئاسة صفوت الشريف للحفاظ على حقوق أعضاء النقابة فى كل الإصدارات الصحفية، القومية، الحزبية والخاصة، لكن الحكومة المتعصبة ضد الصحفيين لا تدرك مدى خطورة هذه الخطوة على العلاقة بينها وبين الذين يصيغون الرأى العام بسبب بضعة ملايين من الجنيهات قد توفرها من الموازنة، لكن هذه الملايين القليلة والتى لا تساوى الكثير مما يهدر وينهب من المؤسسات الحكومية، ستضر كثيراً بالعلاقة بين الطرفين. على الجانب الآخر يعانى الصحفيون أشد المعاناة مع إدارات المؤسسات الصحفية سواء القومية أو غيرها بسبب التفاوت الكبير بين دخل الصحفيين وبين دخل مندوبى الإعلانات، هذا التفاوت الذى له تأثير سلبى كبير على العلاقة بين الزملاء فى المؤسسة الواحدة وفى نفس الوقت يهدد السلام الاجتماعى داخل هذه المؤسسات. لقد بلغ التفاوت فى الدخل درجة مفزعة، فبينما لا يزيد دخل الصحفى الشاب على 500 جنيه عند بدء التعيين فى المؤسسات الكبيرة، نجد أن مندوب الإعلانات يصل دخله إلى آلاف الجنيهات بمجرد أن يكون مسؤولاً عن بعض الشركات فى بداية حياته المهنية. أعرف أن أحد مندوبى الإعلانات من «الشباب» يصل حجم عمولته السنوية إلى أكثر من مليون جنيه، فى الوقت الذى قد يستمر مديرو التحرير أو نواب رئيس التحرير وهم أعلى درجات المناصب الصحفية فى الاستدانة طوال حياتهم الوظيفية، لأن رواتبهم ودخولهم لا تكفى لتحقيق الحد الأدنى للحياة المناسبة للصحفى. هذه المعادلة الغريبة لابد أن تتغير وأن تتوزع الدخول بالعدل بين من يكون السبب فى ترويج الجريدة ولا يحصل على المقابل المناسب، وبين من يحصد العائد الضخم لهذا الترويج بينما لا يبذل نفس القدر من الجهد. الصحفى يبذل كل طاقته فى سبيل ازدهار المطبوعة التى يعمل بها، وفى سبيل ذلك قد يعانى بشدة من أمور عديدة، بينما يأتى مندوب الإعلانات ليحصد كل ذلك ويحصل كل شهر على عشرات الآلاف من الجنيهات التى تحقق له المعيشة الرغدة. من المؤسف أن مجالس إدارات الصحف «تئد» هذه القضية حال بدء مناقشتها وذلك لصالح مندوبى الإعلانات غير مهتمين إذا كان الصحفى يجب أن يحصل على نسبة من هذه الإعلانات أم عليه أن «يخبط دماغه فى الحيطة بسبب غلاء الأسعار». أعلم أن بعض الزملاء من أعضاء مجالس الإدارات حاولوا طرح هذه القضية المهمة فى مجالس إدارات الصحف التى يعملون بها، ولكن من المؤسف أن بعض الذين عارضوا إقرار هذه الحقوق هم بعض الصحفيين من أعضاء مجالس الإدارات، خاصة المعينين منهم. لقد أصبح من الحتمى معالجة هذه القضية، ولتوزع المزايا على الجميع، فما من مبرر أن يحصل مندوب الإعلانات على كل شىء بينما لا يحصل الصحفى على أى شىء. الغريب أن الزميل الصحفى فى قسم التصحيح مثلاً، إذا أخطأ يجازى بشدة، وكذلك لو أخطأ أحد المحررين، وغيرهم من الصحفيين، ولكن لا يحاسب مندوب الإعلانات إذا تخلف عن جلب الإعلان، أى أنه يحصل على كل المزايا، بينما لا يعاقب إذا أضر بجريدته. أرى أن الفترة القادمة ستشهد مطالبات عديدة وملحة فى هذه القضية، خاصة أن الجانب الصحفى فيها على حق بينما الجانب الإدارى والإعلانى على غير حق.