أثارت الوثائق المجهولة لجماعة الإخوان المسلمين، التى بدأت «المصرى اليوم» نشرها أمس، ردود فعل متباينة بين عدد من أعضاء الجماعة، وبعض قادة الأحزاب خاصة التى ورد ذكرها فى الوثائق، وكذلك بين الخبراء المهتمين بشأن الجماعة، ففيما قال البعض إن حسن البنا، مؤسس الجماعة، انتقد الأحزاب السياسية وفكرة التعددية الحزبية، رأى فريق آخر أن انتقاداته كانت تنصب فقط على الأحزاب القائمة فى ذلك الوقت، وفيما اتهمه حزب الوفد بالارتماء فى أحضان القصر والملك فاروق، برأه أحد الباحثين من التهمة، مدللاً على قوله بأن القصر هو الذى دبر حادث اغتياله. قال أحمد سيف الإسلام حسن البنا، نجل مؤسس الجماعة، إن والده لم يهاجم التعددية الحزبية، بل بالعكس كان دائم الدعوة إلى إيجاد تعددية حقيقية تقوم على الاتحاد والترابط. ووصف سيف الإسلام، فى تصريحات ل«المصرى اليوم»، القائلين بأن والده حارب التعددية بأنهم أشخاص ناقصو الفهم يحتاجون إلى دراسة متأنية فى كتاباته، مشيرًا إلى أن والده هاجم سياسة بعض الأحزاب قبل الثورة بسنوات نظرًا لتفككها وسعى قادتها إلى السلطة، وتقاتلهم عليها، فيما أهملوا مشاكل الوطن الحقيقية التى تمثلت فى مواجهة الاحتلال والطغاة. وقال البنا الابن إن والده انتقد أحزابًا بعينها نقدًا موضوعيًا من الناحية الأيديولوجية، مستندًا فى نقده إلى الإسلام الذى كانت هذه الأحزاب بعيدة عنه بعض الشىء. وأوضح البنا أن والده لم يهاجم اليساريين، وإنما حاول إقناعهم بأن الإسلام جاء بأفضل من النظريات الاشتراكية التى كانوا ومازالوا يعتنقونها، وأضاف: «لقد اتضح ذلك فى جميع كتابات والدى، حيث كان يشير دائمًا إلى أن الإسلام قد جمع محاسن المذاهب الاشتراكية والرأسمالية بأفضل مما يكون الجمع، وفى نفس الوقت فإن الإسلام قد استبعد مثالب وسلبيات هذه النظريات»، مشيرًا إلى أن الاحتكار- على سبيل المثال- هو صفة ضد تشريعات الله التى نهانا عنها القرآن والسنة المحمدية الشريفة. وقال الدكتور وحيد عبدالمجيد، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى مؤسسة الأهرام، إن انتقاد حسن البنا لم يكن لفكرة تأسيس الأحزاب بشكل عام، وإنما ارتبط بالسياق الذى وردت فيه، ولا ينسحب على فترات أخرى ولا يعنى رفض كل الأحزاب، وهو التعليق على الأحزاب القائمة آنذاك. أضاف عبدالمجيد أن البنا لم يكن يقف أمام فكرة إنشاء أحزاب بدليل أن الجماعة أسست أحزابًا كثيرة فى العصر الحديث سواء فى الأردن ممثلاً فى حزب جبهة العمل الإسلامى، أو فى الجزائر ممثلاً فى حزب حركة مجتمع السلم «حمس». وقال عبدالمجيد إن موقف الجماعة من الملك كان واضحًا وهو توقير الملك، اللهم إلا بعض الاستثناءات، فكثيرًا ما تحالفوا مع الملك وبعض القوى المناصرة له ضد الحركة الوطنية، معتبرًا أن ذلك يمثل أخطر سلبيات الجماعة وسقطاتها السياسية. وأوضح عبدالمجيد أن الوثائق لم يكتب على بعضها التاريخ، إلا وثيقة واحدة، التى تحدثت عن الحانات ودفاع البنا عنها، مشيرًا إلى أن ما حدث كان فى أواخر الثلاثينيات ومثل صراعًا حادًا داخل الجماعة بين أوساط الشباب الذين هاجموا البنا واتهموه بالتفريط فى حدود الإسلام والاستهانة بالمقدسات وانتهى بانشقاق خرجت على أثره مجموعة من الإخوان فى جماعة «شباب محمد» فأعطاهم البنا مجلة وبعض الأموال. وقال عصام تليمة، الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية، إن الشيخ جمال البنا لم يكن ملمًا بتراث شقيقه، موضحًا أن كثيرين أخطأوا عندما أخذوا الرأى فقط من كتابات حسن البنا فى رسائله، التى تصور حالة خاصة، حيث إنها لم تكن رأيًا عامًا بقدر ما كانت توصيفًا لحالة الأحزاب فى مصر آنذاك، مشيرًا إلى أن معظم من تناولوا موقف البنا اعتمدوا على جمل قصيرة قالها فى معرض الحديث عن الفساد الحزبى فى مصر، ووقع فى نفس الخطأ معظم تلاميذه الذين كتبوا عنه فأخذوا يبررون موقفه من الأحزاب، وكل ذلك تكهن منهم، دون الرجوع إلى تراثه المنشور فى مقالاته التى لم تُجمع، وهو فى حياته بيّن ما يقصده بموقفه من معاداة الحزبية، وأى لون من الحزبية يحارب. وأشار تليمة إلى أن البنا قال: «حاربوا الحزبية بصورتها البغيضة التى ظهرت بها فى مصر، فأحرجت الصدور، وجرحت الأبرياء، ونفرت القلوب، وقززت النفوس، وأوهنت القوى، وأفسدت الأخلاق والضمائر، وفعلت بالمجتمع الأفاعيل». ورفض ضياء رشوان، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فكرة التكفير أصلاً التى نسبها البعض لحسن البنا قائلاً: «لم يكن مبدأ له ولا أعرف أنه جاء يومًا بمثل هذا القول»، موضحًا أن البنا والوفديين تنازعا على جمهور واحد هو جمهور الطبقة الوسطى، معتبرًا أن هذا الأمر هو السبب الرئيسى فى النقد المتبادل بينهما. وأضاف رشوان: «عمومًا البنا منذ تأسيسه جماعة الإخوان المسلمين انشغل معظم أوقاته ببنائها، وظل يفكر فى كيفية استمرارها وزيادة شعبيتها أكثر من انشغاله بالحركات السياسية الأخرى». وقال مصطفى الطويل، الرئيس الشرفى لحزب الوفد، إن مصطفى النحاس التقى حسن البنا وحدث خلاف بينهما وقال النحاس للبنا: «إذا كنت تريد أن تكون داعية إسلاميًا فمرحبًا بك وإذا أردت أن تشكل حزبًا فمرحبًا بك لكن لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين والخلط بينهما مرفوض». وأوضح الطويل أنه من هذا الخلاف لم يتفق الوفد مع الجماعة، وكرهًا ونكاية فى الحزب ارتمى الإخوان فى أحضان السراى والملك، الذى استغلهم فى الاغتيالات السياسية، مثل حادث مقتل «أمين عثمان»، واصفًا ما حدث عام 1984 من توافق الإخوان والوفد على خوض الانتخابات بأنه «زواج متعة» بقصد الانتخابات فقط لا غير. وقال ياسين تاج الدين، نائب رئيس حزب الوفد، إن فكر الجماعة بشكل عام، والوثيقة التى انفردت بنشرها «المصرى اليوم» بشكل خاص، يتعارضان مع ثوابت الوفد التى من بينها «تدخل الدين فى السياسة يفسد الدين» والعكس، لافتًا إلى أن برنامج الحزب قام على فكرة «الدين لله والوطن للجميع» وشعاره فى ثورة 1919 «يحيا الهلال مع الصليب»، وهو أمر لا يستطيع البنا أو جماعته التى تكفّر من يختلف معها فى الرأى باسم الدين إنكاره، مشيرًا إلى أن الوثيقة التى ادعت أن النحاس باشا هنأ مؤسس الدولة العلمانية فى تركيا حال تفكك الدولة العثمانية دليلاً على عدم مناصرة الدين الإسلامى مغالطة للواقع الذى يؤكد أن النحاس باشا كان متدينًا للغاية وكان البعض يطلق عليه «ولى من أولياء الله الصالحين». أضاف تاج الدين أن الوفد الذى تهاجمه الجماعة بين الحين والآخر هو من أعطى الحق للجماعة فى ممارسة عملها الدعوى ومزاولة العمل العام حينما عاد للحكم سنة 1950، وأفرج عن المعتقلين من أعضائها الذين زجت بهم الحكومات- التى سبقت الوفد- فى السجون.