منذ فترة قريبة - مش بعيد قوي يعني - كنا عندما نصطدم بأي وسيلة من وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو حتى المرئية فإننا في الأغلب سنجد خبراً هنا أو هناك عن أزمة مياة نهر النيل و التي أثيرت مؤخرا ً بسبب سعي بعض الدول الإفريقية لزيادة حصتها من مياة نهر النيل و ذلك لإستخدامها في توليد الكهرباء و شؤون الري و الزراعة، و مع أن الموضوع قد مات وإنكفا على الخبر ماجور و أصبح لا صوت يعلو فوق صوت تترات المسلسلات الرمضانية - الغير دينية - و لكننا هنا سوف نغض النظر عن ذلك، و سوف نغض النظر عن ما إذا كانت هذه الدول لها حق في هذا نظراً لأزمة الزيادة السكانية التي يعانون منها مثلنا تماماً، و سوف نغض النظر عن الأقاويل التي تؤكد تأثير إحدى دول المنطقة - اللي مش هي - على القرارات الداخلية لتلك الدول الإفريقية، و سوف نغض النظر عن تأكيد البعض على أن إتفاقية وقعت عام 1929 تحت وطئة الإحتلال لابد و أن تلغى و يحل محلها إتفاقية جديدة بتوزيع جديد عادل للمياة، و سوف نغض النظر عن تصريحات السادة المسؤولين التي تحلل الموقف بأن مياة نهر النيل لن تجف فجأة كأن المشكلة تهم الجيل الحالي فقط و تتحرق الأجيال القادمة كما أنها تتنافى مع التصريحات السابقة في الصحف القومية بأن الموارد المائية في مصر هي قضية أمن قومي لا يمكن المساس بها، و سوف نغض النظر أيضاً عن مدى تأثر الأرض الزراعية في مصر بسبب تقليل حصة المياة ذلك أنه في الوقت الذي كانت تحصل فيه مصر على نصيب الأسد من مياة نهر النيل كانت "بعض" الأراضي الزراعية تروى بمياة الصرف الصحي أو تركت بدون مياة حتى جفت تماماً، لذلك في حالة إنقطاع مياة النيل نهائيا لن توجد مشكلة في أن تروى " كل " الأراضي الزراعية بمياة الصرف الصحي أو أن تترك لتجف تماماً و التجربة خير برهان. في الحقيقة كل ما تجاهلناه و غضضنا النظر عنه و رغم أهميته فهو لا يعبر عن الأزمة الحقيقية لمياة نهر النيل، و إنما هناك أضرار أخرى تعد أهم و أشد تأثيراً على الشعب المصري في حالة إنقطاع مياة نهر النيل و بالتالي جفاف مياة الترع و القنوات المائية، هذه الأضرار التي إن لم تناقش و يجد المسؤولين حلاً فورياً لها، فإن كثيراً من الشعب المصري سيعاني الأمرين عند إنقطاع مياة نهر النيل كانقطاع الكهرباء، و كمثال لهذه الأضرار التي لا حصر لها ألقي الضوء على عدة مشاكل ستواجه الشعب المصري آملا في إيجاد بديل مناسب لها :- 1- أين يستطيع المواطن البسيط في القرى و النجوع أن يغتسل أو يستحم أو يتوضأ. 2- أين سينظف الفلاح الماشية الخاصة به من بهائم و جواميس و حمير. 3- أين ستغسل السيدات في الريف الخضروات و الأواني المنزلية. 4- أين ستلقى الحيوانات النافقة من دواجن أو حيوانات ضالة أو ماشية. 5- أين ستلقى مياه الصرف الزراعي و ما تحمله من مبيدات حشرية " مسرطنة " و بقايا أسمدة. 6- أين سيتم تصريف مياة الصرف الصحي الغير معالجة. 7- أين ستلقى الفنادق العائمة بفضلاتها و صرفها الصحى الغير معالج. 8- أين ستلقي المصانع بصرفها الصناعي الملئ بالمواد الكيماوية السامة و الغير معالجة و التي يصعب التخلص منها. 9- أين ستلقى القمامة. 10- كيف سيتم ري ملاعب الجولف " اللعبة الشعبية الأولى " و التي تحتاج لكميات مهولة من المياة. 11- أين ستلقى المواد الصلبة و مخلفات السيارات. 12- كيف ستبنى الملاهي المائية و التي تلقى قبولا رهيبا من عامة الشعب رغم الظروف الإقتصادية السيئة. في النهاية أتمنى أن تصل حكومتنا الرشيدة و النظيفة و الغالية على قلوبنا إلى قرار ما أو إتفاق ما أو حل ما أو - أي إشتغالة و السلام - يضمن للشعب المصري عزته و كرامته و ألا تضطرنا هذه الظروف إلى إعادة التفكير في حلول أخرى أكثر تعقيدا لمشاكل تواجهنا كل يوم و نتهرب منها بإستخدام أسرع و أسهل الحلول .... تلويث مياة نهر النيل. بقلم م / مصطفى الطبجي