نجح فيما يبدو هدف الإفراج عن عبدالمنعم أبوالفتوح ومن معه من عناصر تنظيم جماعة الإخوان المسلمين القيادية، التى كان قد تم القبض عليها فى قضية التنظيم الدولى الشهيرة، التى كان الاتجاه العام سواء داخل نيابة أمن الدولة أو مكتب النائب العام يؤكد إحالتها والمتهمين فيها إلى المحاكمة نظراً لاكتمال جميع الاتهامات والأحراز حسب أوراق القضية. وهدف الإفراج عن أبوالفتوح ومن معه فى تقديرى كان محاولة إحداث توازن داخل مكتب الإرشاد بين الجناح المحافظ الذى يتزعمه الدكتور محمود عزت وبين ما يسمى الجناح الإصلاحى الذى تزعمه- بحسب الأزمة الأخيرة- مرشد الجماعة مهدى عاكف ثم التحق به مؤخراً محمد حبيب! لاسيما أن الخلاف الشهير الذى حدث الشهر الماضى بين الجانبين كان فى الأصل بسبب صعود بعض أفراد هذا التيار الإصلاحى وهو عصام العريان الذى تبناه المرشد، بيد أن سيطرة الجناح المحافظ التى كانت قد استقرت كقوة هائلة داخل التنظيم وانتصارها فى فرض رغبتها وإرادتها بعدم صعود العريان، كانا إشارة واضحة إلى أن السيطرة دانت بالكامل للجناح المحافظ أو المتشدد- كما يرى البعض- على جميع أمور الجماعة الأكبر بين الحركات الإسلامية فى العالم، الأمر الذى لم يرض عنه فيما يبدو النظام الذى يعتبر الجماعة عدوه الأول، ويحاول جاهداً بشتى الطرق أن يجعل منها ألعوبة فى يده كما هو الحال مع معظم الأحزاب! ولعل فكرة الإفراج عن أبوالفتوح هى ذات الفكرة الشهيرة المعمول بها فى تفجير الأحزاب، ولذلك فإن الهدف فيما يبدو هو أن الدولة أرادت استخدام عبدالمنعم أبوالفتوح مثلما فعلت مع حزبى الوفد والغد ومن قبلهما العمل، ولأن تنظيم الإخوان يختلف عن الأحزاب فإن النتائج أيضاً مختلفة، إذ إن الهدف من الإفراج الحالى عن أبوالفتوح لم يكن فى تقديرى هو إن يفعل مع جماعته مثلما حدث مع تلك الأحزاب فقط وإنما الهدف الحالى ألا يسيطر فريق المحافظين على الجماعة وألا تدين السيطرة الكاملة لفريق دون آخر، ولكن من أجل أن يكون هناك انقسام وخلاف داخل الجسد الإخوانى، تُكسر من خلالهما قواعد السمع والطاعة الصارمة لدى التنظيم، ومن ثم يكون ذلك نواة لأن تتشابه الجماعة فى مكونها الثقافى فى السنوات القادمة مع الأحزاب ويشاهد منها ما نشاهده من بعض الأحزاب من تشرذم مثل أن نرى مكتباً للإرشاد فى المنيل وآخر فى إمبابة مثلاً! شواهد نجاح هدف الإفراج عن أبوالفتوح ليس من بينها أن تكون الجماعة مثل الأحزاب فى الوقت الحالى، لكن فى تقديرى ظهر فى عدة أشياء، منها نجاح أبوالفتوح فى أن يؤجل انتخابات مكتب الإرشاد الذى كان الجناح المحافظ قد قارب على الانتهاء من إجرائها بالترتيبات التى كان يريدها هذا الجناح، ومن ثم فإن أبوالفتوح نجح فى زيادة كفة الجبهة المقابلة التى لها تفسير آخر للوائح الداخلية للجماعة، وبعيداً عن فكرة الحسم فى رغبة أى منهما فإن ما فعله هو نوع من أنواع توازن القوى. أيضاً نجح أبوالفتوح فى إحراج الجناح المحافظ أمام وسائل الإعلام فى كشف المخططات التى ينوى هذا الجناح فعلها داخل الجماعة، إذ تواردت الأخبار عن رؤية مغايرة للرؤية التى نجحت فى دفع المرشد دفعاً لأن يرحل رغم شعبية الرجل الكبيرة وهو ما لم يكن يحدث من قبل. إن صحت هذه التحليلات فإن عملية الإفراج عن أبوالفتوح يبدو لى أنها نجحت حسب الهدف الصغير وهو إحداث حالة التوازن، أما عن الهدف الكبير فإن الأمر لن يطول فى تقديرى، لاسيما أن المكون الثقافى للجماعة يشهد تغيراً كبيراً فى السنوات الأخيرة من حيث تنامى جرأة العناصر فى النقد والاعتراض والجهر به على المدونات كبداية للجهر به صراحة على الصحف ووسائل الإعلام، ولعل الجناح المحافظ نفسه استفاد من تنامى الجرأة هذه عندما تجرأ ووقف صراحة أمام رغبة المرشد أثناء أزمة عصام العريان! ومع انفتاح الإعلام الواسع الذى يرصد ويرقب كل الظواهر فى مصر فإن الجماعة ستجد صعوبة فى المحافظة على كيان السرية بداخلها كما كان فى الماضى بعدما أصبحت كل اجتماعاتها وقراراتها تصل بشكل منتظم لجميع وسائل الإعلام، وهو أمر يحسب لمجموعة «الإصلاحيين» داخل التنظيم!