فى غمرة انشغالنا بماتش مصر والجزائر، ذهب الرئيس أوباما إلى الصين وعاد إلى بلاده، ويبدو أنها كانت زيارة بالغة الأثر، بدليل أن بكين التى كانت تعارض أى إجراء ضد إيران من قبل على طول الخط، تتكلم هذه الأيام عن تأييدها لمشروع قرار يصدر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمعاقبة طهران! ولكن ليس هذا موضوعنا، فالموضوع أن «أوباما» راح يتكلم فى الصين، عن حرية التعبير، وحرية العبادة، وحرية تداول المعلومات، ثم حريات أخرى كثيرة، وكان اللافت للنظر بقوة، أنه وهو يتحدث عن هذه الحريات هناك، استخدم لفظاً فى الإنجليزية يشير إلى مسمى جديد هو «الحريات الكونية»! ولسنا فى حاجة إلى القول بأن قوة الاقتصاد الصينى جعلت الولاياتالمتحدة تتودد إليها منذ فترة، وجعلت واشنطن تشير طول الوقت، إلى أنها راغبة فى احتواء الصين، وليس الوقوف فى طريقها، أو محاربتها على أى مستوى، وقد بلغت نسبة النمو فى اقتصادهم 10٪ أو يزيد، خلال الربع الأخير من هذا العام، وهى نسبة لم يصل إليها اقتصاد أى دولة فى العالم، بما فى ذلك اقتصاد الولاياتالمتحدة نفسه! وليس سراً أن عدد سكان الصين تجاوز المليار نسمة بعدة مئات من الملايين، وقد صمم هذا العدد الهائل من البشر، الذين يعيشون على أرض دولة واحدة، على ألا يكونوا كماً فقط، وأن يكون الكم لديهم مرتبطاً بالكيف فى الوقت ذاته، وأن تكون لهم مكانة على الخريطة، وليس مجرد مكان، وهو ما كان فعلاً! ورغم أن عددنا لا يماثل عدد سكان مقاطعة واحدة لديهم، فإننا لا نتوقف عن الشكوى، فى كل لحظة، من أن 80 مليوناً على أرض البلد، يمثلون عبئاً على كل حكومة تأتى إلى مقاعد الحكم، بما يعنى أن الأمر عندنا، فيما يتصل بالسكان، لايزال عدداً فقط، ولايزال كماً فقط، ولايزال بعيداً عن أن يحقق لنا مكاناً، فضلاً عن المكانة، على خريطة العالم! وليس ممكناً أن يتحول المكان للناس على الأرض، إلى مكانة بين مختلف الدول، إلا إذا توافرت للثمانين مليوناً حقوق الإنسان الطبيعية فى أى مكان، ولسنا بالطبع ندعو إلى الحقوق الثلاثة التى دعا إليها أوباما خلال زيارته، من أول حق التعبير، إلى حق العبادة، إلى حق المعلومات، ولا حتى ندعو إلى تلك الحقوق الكونية الجديدة، التى اخترع هو مسماها، أثناء تلك الزيارة، ولا ننتظر من «أوباما» ولا غيره، أن يمنح لهذا الشعب حقوقاً فى حدودها الدنيا، لا يستطيع دونها أن يعيش بكرامة، ولا أن يعمل، ولا أن ينتج بالتالى! ننتظر من رجل بسيط لا تجرى فى عروقه الدماء الزرقاء، بقدر ما تمتلئ شرايينه بالدماء المصرية العادية، أن يتيح لهذا الشعب حقوقه المفترضة. هذا الرجل هو حسنى مبارك، الإنسان البسيط الذى نشأ فى كفر المصيلحة بالمنوفية، ولم يكن فى نشأته من الباشاوات ولا من البهوات، وإنما كان، ولايزال، إنساناً مصرياً خالصاً، اجتهد منذ صغره فى أن يترقى، وأن يصل إلى شتى المواقع بجهده وعمله، حتى بلغ أرقى موقع فى البلد! نريد حقوق الإنسان التى يؤمن بها رجل بهذه الصفات من كفر المصيلحة، وليس رجلاً اسمه «أوباما» من واشنطن!