ترى هل كان يعلم الضابط الفرنسى والروائى «ماركيز دوساد» ذو السلوك الجنسى العنيف، صاحب رواية «جوستين وجوليت»، والذى نسب إليه مصطلح «السادية» أن هذا المفهوم سيخرج من دائرة الجنس المشحونة بالعنف والتحقير والإذلال، كوسيلة لبلوغ النشوة، ليقتحم بوابات المجتمع والسلطة والإعلام، بل وحتى القانون حين يهتز ميزان عدالته تحت شعار (ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى) والمال والجاه.. ؟ وهل كان يعلم (ليبولد زاخر ماسوش) الكاتب النمساوى، صاحب الرواية المشهورة (فينوس فى الفراء)، أن اسمه سيكون عنوانا للمتعة والانتشاء بالاضطهاد والقهر وما يسمى ال(ماسوشية أو المازوخية)؟! ذلك المفهوم الذى نمى وترعرع فى تربة السادية، بدأ من سنوات الطفولة الأولى والتنشئة الأسرية الصارمة والتبعية وسلبية أفراد الأسرة أمام جبروت رب الأسرة أو كبيرها وما ينال الصغار من عقاب وتهكم وسخرية ومعايرات بالفشل تؤدى إلى الشعور بالدونية وفقدان الثقة بالنفس مرورا بالمدرسة والأنظمة التربوية وما تعززه من خضوع لمعايير الجماعة.. إلى المعاملات اليومية من مدير ومسؤول وسادة يستمتعون بتعذيب وإهانة من هم تحت إمرتهم من خلق الله حتى تصل ذروتها لدى الإعلام وأصحاب القرار والسياسة النخبوية مشتركة المصالح والفكر لترتفع إلى الذروة الأخطر حين تصبح نهجا للسلطة التى من المفروض أنها ضرورة للعدل والتنظيم الاجتماعى وترسيخ عوامل الشعور بالأمان والمساواة باستخدام الحزم لا العنف، والتسلط والظلم والإرهاب ضد صاحب فكر أو معارض أو صاحب رأى.. والطامة الكبرى لو تزاوجت السادية بالنرجسية ليتجلى مفهوم الماسوشية بأوضح صوره، كى يُرضى غرور السلطة ويعمق ثقتها بالديمومة والاستقرار، خاصة بعد نجاحها فى تدجين الجمهور على السلوك الماسوشى الذى أصبح سمة من سمات شخصيتنا العربية مدمرة الإرادة والطموحات، القابعة فى زوايا الصمت والخوف والصبر لتهترئ حبال الوصل وتتسع الفجوة بين الجماهير والأنظمة ويعتمل الشعور بالاضطهاد، مما يؤدى إلى الرغبة المكتومة فى الانتقام، سواء من الذات أو الأسرة أو الشارع انفعالا وسبابا.. كمتنفس لما يُشعر به من قهر وكبت.. وما بعض ما نراه من طقوس بعض الطوائف الدموية العنيفة التى تمارس ضد الذات إلا صورة من صور التحدى غير المباشر للسلطة والظلم.. لتكون الماسوشية على أوجها من حيث الشعور بالمتعة فى جلد الذات.. هذا غير ما تؤدى إليه السادية عندما تُمارس على سجناء السياسة من المسالمين بكل ما للتعذيب من فنون ووسائل ذبح للرجولة وسحق للآدمية، لتتحول وداعتهم إلى قسوة ورغبة سادية ضد فرق التعذيب ومصدرى الأوامر.. وما ينطبق على السلطة ينطبق بلا شك على وسائل الإعلام المقروءة بما تبثه من سموم وتجريح وشائعات أشد من القتل، وما نراه من شراهة تعذيب الفضائيات للمُشاهد بما تعرضه من عنف ودم ومَشاهد ترتعد منها أعتى القلوب وما يقابلها من عرى وخلاعة ومشاهد جنس ساخنة شبه مباشرة.. وهكذا نرى أن المبالغة فى السادية تقابلها مبالغة فى الماسوشية، ولا ندرى أيهما مهّد الدرب للآخر.. السادية أم الماسوشية؟.. ولا ندرى من أمرنا إلا أن أحدنا كغريق فى بحر عميق يدوس على مَن تحته ويسحب من فوقه لينجو من الغرق.. والثلاثة فى خطر إلى أن يشاء الله وتنتفض الإرادة الحقيقية، ويصحو الصمت، ويأتى الفجر محملا على هودج البشائر. إليك: تأخذك المسافات.. ترحل بك على سفينة الهجرة إلى الشاطئ البعيد.. البعيد.. لتأتى بك موجة وجد عارم.. طيفا يفترش الضلوع.. ومضات نور تضىء ليل الوحدة السرمدى.. رذاذ مطر مسائى يداعب موجتى ّ العشق.. زورق أمل يمخر عباب الحلم.. أوراق خريف تتراقص حول قدمىّ الوصل.. صور تشرينية تضج ّ بها مسامات الروح.. وعَبرة صبر تترقرق بين هدبىّ السهد.. وشهقة ندم تقف حائرة بين حب وعتب.. بينى وبينك يا أنت يا المذاب فى خلاصة الأنا.. يا سيدى.. يا سيد الأمس واليوم والغد.