تحت وطأة الرقابة العسكرية الصارمة المفروضة على الإعلام الإسرائيلى، فيما يتعلق بسير المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى، والتكهنات بما يمكن أن يحمله الأسبوع المقبل من تطورات فى هذا الملف، يكاد يصل إلى الإجماع على أن الصفقة على شفا الإنجاز، فإن حماس وإسرائيل على حد سواء لاتزالان تلتزمان الصمت المطبق إزاء تطور المفاوضات بينهما عبر الوسيط الألمانى، ويبدو أن هناك توافقاً كبيراً فى أوساط قيادة حركة حماس حول الخطوط العامة، خلافاً لما يقال عن وجود انقسامات فى هذا الشأن، فى إسرائيل، ورغم استمرار الصمت المطبق إزاء الاحتمالات المتعلقة بإنجاز الصفقة، تنشغل المؤسسة السياسية العسكرية بمرحلة ما بعد تنفيذ هذه الصفقة على صعيد العلاقات المستقبلية مع حماس وتأثيراتها على السلطة الفلسطينية، فترى أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن تنفيذ الصفقة وفق أى شروط، سيؤدى فى النهاية إلى تقوية حماس فى الشارع الفلسطينى، خاصة أن حماس من وجهة نظر إسرائيل تعمدت تسريب معلومات عن المفاوضات تفيد بأن الخلاف الأساسى حالياً يتركز على إصرار حماس على إطلاق سراح قائد فتح، مروان البرغوثى، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، وهذا الإصرار من شأنه أن يرفع أسهمهما فى الشارع الفلسطينى بشكل هائل سواء نجحت أم لم تنجح فى إطلاق سراحهما، فى توقيت تستعد فيه حركة حماس لإطلاق مبادرة سياسية جديدة تتناول المستجدات السياسية فى ظل فشل خيار التسوية، وتؤكد ضرورة الوصول إلى مصالحة تستند إلى أرضية مشتركة بين القوى الفلسطينية، وتأتى هذه الاستعدادات فى وقت نفى فيه نائب رئيس المكتب السياسى فى حماس موسى أبومرزوق ما تردد عن أن وفداً من الحركة سيصل إلى القاهرة قريباً لاستئناف جهود المصالحة الفلسطينية، بالإضافة إلى تصعيد الحركة لهجتها إزاء بقاء الرئيس عباس فى منصبه لحين إجراء الانتخابات، معتبرة ذلك اغتصاباً للشرعية بل وصل الأمر إلى مطالبة حماس باعتزال عباس السياسة. هذه الخطوط المتشابكة التى تشهدها الساحة السياسية الفلسطينية قوّت من عزيمة حماس لإطلاق مبادرة سياسية جديدة فى غضون الأيام القليلة المقبلة، وتتناول المبادرة طرح مصالحة تستند إلى أرضية مشتركة بين القوى الفلسطينية من منطلق أن حماس كانت ومازالت مع المصالحة، وتتمسك بإنهاء الانقسام الذى أصاب القضية الفلسطينية بحال من الضعف. ومع توقع ارتفاع فى أسهم حركة حماس مع إنجاز الصفقة فى الشارع الفلسطينى فإن ذلك أعطى للحركة قوة دفع فى اتجاه التلويح بانتهاء فترة ولاية عباس مع تسرب أخبار تفيد بأن الرجل باق فى منصبه ولن يستقيل كما أشيع فى السابق، ومهاجمته صراحة بأن عليه الرحيل واحترام سنه والقانون، وأن بقاءه فى مكانه يعتبر اغتصاباً للشرعية والمنصب، وفى هذا الإطار وجدت السلطة نفسها تواجه أكثر من جبهة يأتى فى مقدمتها كيفية حل أزمة الفراغ الدستورى. وعقدت لقاءات قيادية خلال الأسابيع الأخيرة بشكل مكثف لدراسة الخيارات المتاحة للتغلب على هذه الحالة غير المسبوقة فى التاريخ والكفاح الفلسطينى، باستثناء حالة قام فيها المجلس المركزى بتمديد المرحلة الانتقالية لدى انتهائها عام 1999. ويأتى بحث هذه الخيارات فى ظل رفض حركة حماس تنظيم الانتخابات فى موعدها، غير أنه فى حال موافقة حماس على الورقة المصرية التى تتضمن تنظيم الانتخابات فى الثامن والعشرين من يونيو المقبل، فإن فتح والرئيس عباس سيتراجعان عن اتخاذ مثل هذه الخطوات من جانب واحد دون توافق وطنى. وبين هذه القضايا والتجاذبات الحادة فيها من قبل الأطراف الفلسطينية جميعاً تبقى قضية صفقة تبادل الأسرى هى المستحوذة على تفكير الشعب الفلسطينى هذه الأيام، والأنظار معلقة بشغف لمعرفة نهايتها!