أثارت واقعة اتهام طفلين قبطيين بمحافظة بني سويف ب«تدنيس المصحف» وإيداعهما إثر هذا الاتهام دار رعاية الأحداث على ذمة التحقيق معهما، استياء حقوقياً، حيث اعتبر الحقوقيون أن إقدام البعض على اتهام الطفلين «عبث»، مطالبين بالإفراج عنهما التزاماً بما تقتضيه حقوق الطفل. تعود وقائع الاتهام إلى الثلاثاء الماضي، حينما تقدم إبراهيم محمد علي، أحد سكان قرية «ماركو» ببلاغ للشرطة يتهم الطفلين مينا نادي فرج «9 سنوات» وكرم رزق فتحي «10 سنوات» ب«تدنيس المصحف»، وقد أحالت الشرطة الطفلين للنيابة، حيث أمر المحامي العام الأول لنيابات بني سويف، المستشار حمدي فاروق، بإيداعهما في دار الأحداث سبعة أيام على ذمة التحقيق وأكد مقدم البلاغ أنه رأى الطفلين يتبولا على مصحف كانا يمسكان به أمام مسجد القرية وأنه واقتادهما إلى قس كنيسة القرية إسحق كستور الذي وبخهما توبيخا خفيفا، لم يجده علي مرضيا له، مما دعاه لإبلاغ الشرطة، بحسب ما ذكرته وكالة «رويترز». واعتبر عماد مبارك، مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن ما يحدث من «اتهام طفلين غير مدركين لفكرة ازدراء الاديان أو تدنيس الكتب السماوية وغيرهما من الأفكار التي تفوق قدراتهما العقلية، حلقة في سلسلة العبث المتواصل والذي انتشر هذه الأيام لدرجة وصلت حد محاكمة الكلام، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع طريقة التعبير، بتهمة ازدراء الاديان وعازفي موسيقى الميتال بتهمة عبادة الشيطان». وأبدى «مبارك» اندهاشه قائلاً ل«بوابة المصري اليوم»: «أنا عاجز عن تخيل المشهد الذي سيمثلا فيه أمام جهة التحقيق للإدلاء بأقوالهما في التهمة والرد عليها وتفنيدها» مضيفاً «ما يحدث ردة للخلف، وكلما زادت التضييقات كلما رأينا احتقان طائفي وتفرغ لاصطياد الكلام حتى لو كان تهريجاً مبين نفس أصحاب الديانة، وهو ما سيؤدي لتقديم مئات البلاغات اليومية، وحينها لن نتحدث مرة اخرى عن حرية الرأي طالما لا يمكننا حماية حرية التعبير عنه». واختتم مؤكداً أن ما يحدث بحق الطفلين «بمثابة جريمة» قائلاً:«اعتقد أنه لا يجوز قانوناً تجريم ومحاسبة طفل على مثل هذه التهمة التي لا يدركها عقله». من جانبها أبدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية انزعاجها الشديد وقلقها البالغ بعد إيداع في دار الرعاية بمدينة بني سويف يوم الثلاثاء 2 أكتوبر لحين عرضهما على النيابة بعد اتهامهم بازدراء الأديان. وطالبت النائب العام بالأمر بالإفراج الفوري عن الطفلين، وبإسقاط التهم عنهما وتوفير الحماية لهما ولذويهما. وعن وجهة النظر القانونية، قال عادل رمضان، المسؤول القانوني بالمركز ل«بواية المصري اليوم»: «القانون لا يمنع توجيه مثل هذه التهم للأطفال، لكن بحكم العقل والمنطق فإن الجريمة غير منطقية حيث تتطلب الجرائم من هذا النوع الترويج لأفكار معادية وهو لا يمكن للطفلين ان يدركوه أو ياتوا به، لن إدراكهما للأديان، إن وجد، ضعيف» مضيفاً «حتى الأفعال المنسوبة للطفلين لا تدخل في نطاق التجريم والذي يعتد بالنية». وحول المسؤولية القانونية والجنائية للطفلين، قال: «الأصل بالنسبة للطفل أقل من 12 عاماً أنه غير مسؤول جنائياً وإن كان يجوز مساءلته في بعض الأمور بحسب تقدير المحكمة، والتي استبعد أن يكون من بينها مثل هذا الاتهام»، نافيا أن يكون نص المادة «98و» من قانون العقوبات والخاصة بازدراء الأديان منطبقا على الطفلين، ومنوها إلى «ضعف» احتمالية أن ينطبق عليها أيضاً نص المادة «161» من نفس القانون، والذي يختص بتجريم «تزوير نسخ الكتب المقدسة». واختتم «رمضان» مطالباً النيابة بالإفراج الفوري عن الطفلين وتسليمهما لأهليهما وإغلاق ملف القضية، مشيراً إلى كون ذلك «الاحتمال الأكبر» خاصة وأن الشاهد هو الشخص مقدم البلاغ كلامه غير منطقي، بحسب قوله، لأن الاطفال كانوا يلعبون في كومة قمامة، كما أن «النيابة لن تتمكن من التحفظ عليهما لأكثر من أسبوع، لأنه لا يجوز قانوناً حبس الطفل الذي لم يبلغ 15 عاماً احتياطياً لأكثر من أسبوع» معلقاً على قرار النيابة بالقول أنها «استخدمت استثناءات شديدة في القانون». وعلّقت ماجدة بطرس، مديرة وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة ، بقولها «صدمنا بقرار النيابة العامة بتحريك الدعوى الجنائية في هذه القضية وتوجيه الاتهام ضد الأطفال الذين لا يتجاوزا اثنتي عشرة عاما. كنا نتوقع من المحامي العام القيام بواجبه المنوط به في تحديد جدية وجدوى هذه القضية وأن يحفظ أوراق الدعوى لعدم الأهمية ووجود تصالح ولصغر سن المتهمين». وأضافت بحسب البيان: «كان الأدعى على النيابة تسليم الطفلين إلى والديهما، طبقا للمبادئ العامة لقانون الطفل ومنها حماية المصلحة الفضلى للطفل في جميع الإجراءات المتعلقة به، وحق حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة أو الإهمال أو التقصير». من جانبه، تقدم الاتئلاف المصري لحقوق الطفل، ببلاغ للنائب العام، صباح الخميس، يطالب فيه بعدم عرض الطفلين نبيل ناجي رزق، 10 سنوات، ومينا نادي فرج، 9 سنوات، على النيابة بعد اتهامهم بازدراء الأديان وإخلاء سبيلهم لامتناع المسؤولية القانونية عنهم، محذرًا من تصريحات بعض أعضاء البرلمان المنحل حزب الحرية والعدالة في بني سويف، التى تدعو لتصعيد الموقف والمطالبة بالتحقيق مع الطفلين أمام النيابة. وطالب الائتلاف في بيان، رئيس الجمهورية محمد مرسي، بصفته، بتحمل مسؤوليته تجاه حماية وحدة الشعب المصري، ومعاقبة المسؤولين عن ذلك قانونيًا، داعيًا النائب العام بتفعيل تنفيذ ما جاء فى الكتب الدورية التي أرسلها النائب العام للنيابات رقم «19 لسنة 2008» ، بشأن المعاملة الجنائية للطفل. كما شدد «الإئتلاف المصري» على ضرورة وضع تصاعد الأزمة الطائفية في مصر على رأس أولويات الدولة ومؤسساتها الحكومية والمدنية. وكان «الائتلاف» قد وصف احتجاز الطفلين بأنه «"دعوة صريحة» إلى تصعيد النزعات الطائفية التى بدأت تظهر فى مصر بعد صعود جماعات الإسلام السياسى على قمة الساحة السياسية فى مصر، حسبما جاء في البيان. وناشد اللجنة التأسيسية لوضع الدستور بضرورة تعديل المادة 35 فى باب الحقوق والحريات لتضمن كفالة الدولة لحماية حقوق الطفل التى نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة.