برلماني: تعديل قانون انتخابات النواب والشيوخ خطوة نحو تعميق التعددية    وزير الصحة: الأمن السيبراني ركيزة أساسية لمستقبل مصر الرقمي    حابس الشروف: إسرائيل تسعى لتفريغ غزة وسط غياب ضغط دولي فعّال    محمد صلاح يقود ليفربول أمام كريستال بالاس في ختام البريميرليج    في مباراة فاركو.. استمرار ثنائية ياسر إبراهيم والعش فى دفاع الأهلى وغياب ربيعة    «خناقة في المواصلات».. ضبط المتهم بالتعدى علي جاره في بنها    أقل من 100 شاحنة لا تكفي.. الهلال الأحمر يكشف المعاناة داخل قطاع غزة    ضبط 93 كيلو مخدرات و 225 قطعه سلاح ابيض خلال حملة بالبحر الاحمر    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    بعد تراجع إيراداته.. «نجوم الساحل» يواجه شبح مغادرة دور العرض    مصر تهنيء الأردن بمناسبة الاحتفال بذكرى يوم الاستقلال    مصرع 14 شخصا وإصابة أكثر من 50 بسبب سوء الأحوال الجوية فى باكستان    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    الزمالك يستعيد محترفه أمام فاركو    الأهلي يحتفي بذكرى تتويجه بلقب دوري أبطال أفريقيا للمرة ال 12    تقارير: الهلال السعودي يحدد موعد سفره إلى أمريكا.. ويترك القائمة للمدرب الجديد    الهيئة العربية للاستثمار توقّع مذكرة تفاهم مع شركة أمريكية لدعم التحول الرقمي في الزراعة    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    أكاديمية الشرطة تشهد ختام دورة تدريبية للكوادر الأمنية الأفريقية فى مكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    فلكيًا.. غرة شهر ذي الحجة 1446ه وأول أيامه    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    يوسف القعيد يكشف عن رأيه في إغلاق بيوت الثقافة المستأجرة    تامر حسني يحذر جمهوره من حفلة وهمية مع «الشامي»    قريبا.. انطلاق برنامج "كلام في العلم" على القناة الأولى    لجنة تصوير الأفلام تضع مصر على خريطة السينما العالمية    يسبب السكتة القلبية.. تناول الموز في هذه الحالة خطر على القلب    كوارث وصدامات وخسارة فلوس.. تحذر من حدث فلكي يغير في حياة 4 أبراج للأسوأ    تفاصيل إطلاق المرحلة الجديدة من اختبار "الجين الرياضي" وتسليم عينات "جينوم الرياضيين"    محافظ دمياط يستقبل نائب وزير الصحة ووفد حقوق الإنسان لبحث الخدمات الصحية والاجتماعية    ميرور: إيزي وميتوما ولياو على رادار بايرن لتعويض فشل صفقة فيرتز    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    تأييد حكم المؤبد لموظف قتل شخصا بسلاح ناري بالعبور    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    بالدموع تحرك جثمان سلطان القراء إلى المسجد استعدادا لتشيع جثمانه بالدقهلية.. صور    رئيس البرلمان العربى يهنئ قادة مجلس التعاون الخليجى بذكرى التأسيس    رئيس لجنة الحكام يكشف رؤيته حول تقنية الفيديو واستقلالية اللجنة    المجلس الصحي المصري: 4 من كل 5 أمراض حديثة من أصل حيواني    وكيل صحة المنوفية يتفقد مستشفى تلا المركزي ويوجّه بإحالة المتغيبين لتحقيق    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    صلاح يترقب لحظة تاريخية في حفل تتويج ليفربول بالدوري الإنجليزي    فور ظهورها.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية بالاسم ورقم الجلوس 2025 الترم الثاني    «بني سويف الأهلية» تناقش مشروعات طلاب المحاسبة والتمويل الدولي.. والجامعة: نُعد كوادر قادرة على المنافسة العالمية    خطوة بخطوة.. إزاي تختار الأضحية الصح؟| شاهد    عيد الأضحى 2025.. هل تصح الأضحية بخروف ليس له قرن أو شاه؟ «الإفتاء» تجيب    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    ميلاد هلال ذو الحجة وهذا موعد وقفة عرفات 2025 الثلاثاء المقبل    ارتفاع أسعار البيض في الأسواق اليوم 25-5-2025 (موقع رسمي)    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    "آل مكتوم العالمية": طلاب الأزهر يواصلون تقديم إسهامات مؤثرة في قصة نجاح تحدي القراءة العربي    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    «الداخلية»: ضبط 15 قضية مخدرات في حملات بأسوان ودمياط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطوة أخرى نحو العشوائية المطلقة

فكرة تبدو مبهجة فى نهجها التحديثى: ملعب قديم يستضيف سنويا بطولة رياضية كبيرة واحدة لا تتابعها الجماهير، والهدف هو تحويل الملعب العتيق لصالة مغطاة تليق بنمط الحياة الحديثة من حيث التصميم والسعة، ويمكن أن تستضيف مباريات الدورى فى لعبات أكثر شعبية. أين المشكلة إذن؟!
المشكلة أن شوارع الحى التى ستعيش فيه تلك الصالة، بما فيها الشارع الرئيسى الذى ستطل عليه، كانت مصممة لاستضافة الفيلات والمبانى المنخفضة، وليس ناطحات السحاب والاستادات الرياضية، ولذا من العبث المطلق حتى التفكير فى محاولة زحم الحى، حتى يزداد اختناقه لدرجة تولد الدمار، حتى لا يصبح آهلا لاستضافة الحياة الآدمية، لينضم من هذه الناحية لمعظم أحياء القاهرة.
ربما المساواة فى الظلم عدل.. لكن هل ذلك فعلا ما يريده «مجلس قيادة» نادى الجزيرة من خلال قراره التعيس المضى قدماً فى «تطوير السنتر كورت»؟ لأن يؤول الزمالك إلى حى عشوائى؟ بالطبع لا. لكن من الواضح أن أعضاءه قد تأثروا بالمناخ العام الفوضوى، وهذه ربما هى طريقتهم للانضمام، ولضم ناديهم لل«موضة» السائدة.
ففى مصر هناك إقبال يتسم بالشراهة اللافتة للنظر فعلا على كل ما هو «حديث»، دون أى تفكير جاد، ليس فقط فى المنابع الفكرية للحداثة إنما حتى فى طريقة استعمالها ونمط الحياة والسلوك، الذى يتماشى معها.
المجلس، على حسب علمى، قد بدأ بتبنى منهج علمى، فقد كلف هيئة من الخبراء فى المعمار والتخطيط لإبداء الرأى فى مشروعه ال«تحديثى»، وكان الرد القاطع هو أنه ليس من المحبذ على الإطلاق بناء مثل هذا المشروع بداخل مقر النادى العريق، ومن المفضل أن ينشأ فى مقره الجديد بمدينة السادس من أكتوبر، لكن يبدو أن المجلس لم يتأثر كثيرا بصوت العقل، إنما بالسيمفونية المشتتة الزاعقة، التى تصاحب مسيرة الفوضى والعشوائية المجردة من الجدية، التى تطغو على المناخ العام فى مصر.
يبدو أن أعضاء المجلس، كمعظم الناس، مغيبون تماما عن مقومات الحياة الحديثة، رغم تصورهم التحديثى ظاهريا.. فهم، كباقى عناصر البلاد، ينظرون للمنظر دون الاهتمام الكافى بالتفاصيل. لذلك ربما إنه بكل بساطة لم يأخذوا مأخذ الجد مسائل بدهية، وفى منتهى البساطة من الناحية التصورية، مثل تداعيات هذا القرار، «المستقبلى الرؤية»، من معضلات مركبة،
طالما تصاحب الحياة المدنية الحديثة، التى تحتم وجود تفكير وتخطيط جاد قبل القدوم على مثل هذه المشاريع- مثل مسألة مرور سيارات الإسعاف والإطفاء فى حى قد حشر فوق طاقته عشرات الأضعاف، ناهيك عن مشاكل ركن السيارات.. وهذا فى ناد قد اعتاد رواده، خلال السنين الأخيرة، ركن سياراتهم فى «تراك» الخيل، وفى صفوف متراكمة «فى الممنوع» فى الشارع الذى سيختنق بالكامل إذا استضاف مباريات للدورى فى كرة السلة مثلا.
هذا النمط العشوائى فى التفكير تصاحبه وتدعمه روح انتهازية، تستبدل قوة المنطق بمنطق القوة. فى هذا الإطار الصراعى تنبع الفوضى فى كثير من الأحيان من أعلى، لأن القاع صارت قمة فى هذا المجتمع.. فالحكم نفسه عشوائى ولا يهتم كثيرا بمواضيع تبدو فى ذهنه ترفيهية، كضمان وجود مسارات سالكة أمام عربات الإسعاف، لأن حياة الإنسان ليس لها سعر من الأصل.. فى هذا السياق يصبح دور الفرد الأساسى فى المجتمع هو خدمة العشوائية المفروضة المصحوبة بالمحسوسية المحسوبة.
إذا لم يكن الحال كذلك، فأين موقف أجهزة الحى والمحافظة من هذا المشروع؟ فلا أحد يتحرك حتى يطبق القوانين الموجودة فعلا، الضامنة لأدنى متطلبات التخطيط المدنى. ثم تقول السطات إنها تشرف على حقبة تحديثية لم ترها مصر منذ أيام محمد على. لكن فى الحقيقة إن إدارتها لعملية ال«تحديث» تلك لا تعكس إلا ظلمات العبثية والفكر البدائى العاجز عن التحليل والربط المنطقى العقلانى، الذى يجسد انزلاقاً ليس فقط نحو التخلف إنما أيضا نحو الموت.
ليتبين، فى التحليل النهائى، أن الإدمان الملحوظ لتدمير كل شىء جميل بدلا من إصلاح القبيح نابع عن مزيج من الهلامية وعدم المصداقية فى التفكير التى تنعكس فى النهاية على أرض الواقع. فعندما تستبدل السببية المنطقية والتفكير المنظم بال«سبوبة» والعشوائية تكون هذه هى النتيجة.
أتمنى أن أكون مخطئا، أتمنى أن يكون هناك أشخاص- فى مجلس إدارة النادى وفى الحى ومحافظة القاهرة- لديهم القدر الكاف من المصداقية والتركيز الذهنى لكى يتصدوا لهذه المسألة. فالتحديث الحقيقى يتطلب تصوراً يتعامل مع تفاصيل الجوهر، وليس فقط مع الصورة والمنظر، حتى لا تتحول الحداثة إلى كبوس عشوائى..
مرة أخرى: السيارات تحتاج إلى أماكن ركن، والمبانى الحديثة تحتاج شرياناً سالكاً مجاوراً ليحرك عربات الإطفاء، والتجمعات البشرية الكبيرة تحتاج كذلك لعربات إسعاف... إلخ. لذلك فإن بناء مبان مبهجة المنظر وسط المزيد من الخنقة والفوضى لا يمثل إلا خطوات للخلف.
وفى حالة نادى الجزيرة، هذا كله بالطبع يضاف إلى مسألة تدنيس و«تبويظ» هذا المعلب العريق، ال«سنتر كورت»، الذى لعب فيه بعض أهم أبطال التنس التاريخيين، فى سبيل الإلحاق بصورة سرابية بالحداثة.
أعتقد أن أى قرار بشأن الاستاد المزمع تشييده لا يأخذ فى الاعتبار كل هذه الأشياء هو إما نابع عن فكر عبثى يتجاهل أبسط أدوات المنطق والعقلانية، وإما أن أساساته ليست مفهومة، لأن حيثياتها خاصة بأصحابها، ولذا فالهدف منها لا يصب فى المصلحة العامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.