ارتفاع أسعار الذهب مع تراجع الدولار واستمرار أزمة الرسوم الجمركية    الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا الثلاثاء لبحث خطورة الأوضاع بغزة    وسام أبو علي: أعتذر للأهلي وجماهيره «ضغوط أسرية دفعتني لتصرفات غير مقبولة»    البحيرة.. ضبط مستودع يبيع 455 أسطوانة غاز في السوق السوداء بكفر الدوار    أشرف صبحي: انتخابات جديدة للأندية بعد تعديلات قانون الرياضة.. وال3 دورات مقترح الأولمبية الدولية    شعبة الخضروات والفاكهة: الحلقات الوسيطة سبب ارتفاع الأسعار    درجة الحرارة غدا الثلاثاء في مصر    صور| اتفاقية بين الجامعة الألمانية بالقاهرة وغرفة الصناعة العربية الألمانية لدعم التعليم    أمين عام الناتو يدعو أوروبا لشراء أسلحة أمريكية لأوكرانيا    أمانة المرأة بالجبهة تنظم ندوة توعوية سياسية لسيدات المنيا    فعالية ثقافية لذوى الهمم بمتحف طنطا    كرة سلة – منتخب مصر يهزم إيران في بطولة لبنان الودية    نفس صيغة نيكو باز.. سكاي: كومو يتفق مع ريال مدريد على ضم رامون    أرقام قمصان الأهلي - شريف استرد قميصه من جراديشار.. ورقم بنشرقي الجديد    ولي عهد الكويت يشيد بحكمة الرئيس السيسي وبالدور المصري الداعم لمختلف القضايا العربية    رئيس هيئة الدواء المصرية يوقّع مذكرة تفاهم مع وكالة تنظيم الأدوية السنغالية    الحكم على 9 متهمين فى إعادة محاكمتهم ب«فض اعتصام رابعة» 15 نوفمبر المقبل    أول تعليق من راغب علامة بعد قرار إيقافه من نقابة الموسيقيين في مصر    الشباب العربى فى العصر الرقمى    سياسي فلسطيني: لا نعوّل إلا على مصر.. وتجويع غزة جريمة تفوق الوصف    إيناس جوهر: التلفزيون المصري بيت كل المصريين وصوتي "مش شبه ملامحي"    أنشطة صيفية للأمهات لتعزيز مهارات الأطفال خلال الإجازة الصيفية    وزير الصحة يتفقد مشروعات تطوير مستشفيي الأورام والتل الكبير بالإسماعيلية    على طريقة المطاعم.. خطوات تحضير المكرونة بصلصة البولونيز    آخرهم راغب علامة.. معجبات يورطن نجوم الغناء في مواقف محرجة على المسرح (تفاصيل)    مي سليم تنشر صورة مع تامر حسني وتوجه له رسالة.. ماذا قالت؟    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أرباح السوشيال ميديا حلال أم حرام؟.. الدكتور أسامة قابيل يجيب    رمضان عبدالمعز: اللسان مفتاح النجاة أو الهلاك يوم القيامة    قرار عاجل من محكمة الاستئناف في قضية طفل البحيرة    عاد مبكرًا فوجد زوجته وشقيقه في غرفة نومه.. قصة خيانة هزت العمرانية    وزير الخارجية: مصر مستعدة لتطوير تعاونها مع مفوضية الإيكواس في تدريب قوة لمكافحة الإرهاب    افتتاح كنيسة جديدة ورسامة شمامسة في بوخوم بألمانيا    أول ولادة لطفل شمعي من الدرجة المتوسطة بمستشفى سنورس المركزي بالفيوم    أمجد الشوا: العالم بات يتعامل بلامبالاة خطيرة مع ما يحدث في غزة    تغطية مصرف عزبة أبو الجدايل بكفر الشيخ تمهيدًا لرصف الطريق    10 انفصالات هزت الوسط الفني في 2025 (تقرير)    جامعة بنها تستعد لاعتماد عدد من الكليات والبرامج خلال يوليو وسبتمبر    تفاصيل اختطاف قوة إسرائيلية لمدير المستشفيات الميدانية في غزة    المعارضة ليس لها مكان…انتخابات مجلس شيوخ السيسي "متفصلة بالمقاس" لعصابة العسكر    رئيس الوزراء يستعرض موقف توافر الأسمدة الزراعية ومنظومة حوكمة تداولها    فريق طبي بمستشفى كفر الشيخ الجامعي ينجح في إنقاذ مريضة تعاني من ورم    قيادي بحزب مستقبل وطن: محاولات الإخوان لضرب الاستحقاق الانتخابي مصيرها الفشل    المؤبد لطالب وشقيقه بتهمة قتل سيدة بمركز البلينا فى سوهاج    من هو عدي الدباغ المرشح لخلافة وسام أبو علي في الأهلي؟    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    «مدبولي» يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    شواطئ مرسى علم تحتفل مع السائح البلجيكي بيوم بلاده الوطني    الشركة الوطنية للطباعة تعلن بدء إجراءات الطرح فى البورصة المصرية    الجامعة الألمانية تفتتح نموذجاً مصغراً للمتحف المصري الكبير في برلين    زعيم المعارضة الإسرائيلية: يجب الاحتكام إلى الانتخابات لإنقاذنا من حكومة نتنياهو    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    الجيش الإسرائيلي يحرق منازل بمخيم نور شمس ويواصل عمليات الهدم في مخيم طولكرم    محمد الشناوي يعلق على رحيل عدد من لاعبي الأهلي.. ويوجه رسالة إلى الجماهير    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطوة أخرى نحو العشوائية المطلقة

فكرة تبدو مبهجة فى نهجها التحديثى: ملعب قديم يستضيف سنويا بطولة رياضية كبيرة واحدة لا تتابعها الجماهير، والهدف هو تحويل الملعب العتيق لصالة مغطاة تليق بنمط الحياة الحديثة من حيث التصميم والسعة، ويمكن أن تستضيف مباريات الدورى فى لعبات أكثر شعبية. أين المشكلة إذن؟!
المشكلة أن شوارع الحى التى ستعيش فيه تلك الصالة، بما فيها الشارع الرئيسى الذى ستطل عليه، كانت مصممة لاستضافة الفيلات والمبانى المنخفضة، وليس ناطحات السحاب والاستادات الرياضية، ولذا من العبث المطلق حتى التفكير فى محاولة زحم الحى، حتى يزداد اختناقه لدرجة تولد الدمار، حتى لا يصبح آهلا لاستضافة الحياة الآدمية، لينضم من هذه الناحية لمعظم أحياء القاهرة.
ربما المساواة فى الظلم عدل.. لكن هل ذلك فعلا ما يريده «مجلس قيادة» نادى الجزيرة من خلال قراره التعيس المضى قدماً فى «تطوير السنتر كورت»؟ لأن يؤول الزمالك إلى حى عشوائى؟ بالطبع لا. لكن من الواضح أن أعضاءه قد تأثروا بالمناخ العام الفوضوى، وهذه ربما هى طريقتهم للانضمام، ولضم ناديهم لل«موضة» السائدة.
ففى مصر هناك إقبال يتسم بالشراهة اللافتة للنظر فعلا على كل ما هو «حديث»، دون أى تفكير جاد، ليس فقط فى المنابع الفكرية للحداثة إنما حتى فى طريقة استعمالها ونمط الحياة والسلوك، الذى يتماشى معها.
المجلس، على حسب علمى، قد بدأ بتبنى منهج علمى، فقد كلف هيئة من الخبراء فى المعمار والتخطيط لإبداء الرأى فى مشروعه ال«تحديثى»، وكان الرد القاطع هو أنه ليس من المحبذ على الإطلاق بناء مثل هذا المشروع بداخل مقر النادى العريق، ومن المفضل أن ينشأ فى مقره الجديد بمدينة السادس من أكتوبر، لكن يبدو أن المجلس لم يتأثر كثيرا بصوت العقل، إنما بالسيمفونية المشتتة الزاعقة، التى تصاحب مسيرة الفوضى والعشوائية المجردة من الجدية، التى تطغو على المناخ العام فى مصر.
يبدو أن أعضاء المجلس، كمعظم الناس، مغيبون تماما عن مقومات الحياة الحديثة، رغم تصورهم التحديثى ظاهريا.. فهم، كباقى عناصر البلاد، ينظرون للمنظر دون الاهتمام الكافى بالتفاصيل. لذلك ربما إنه بكل بساطة لم يأخذوا مأخذ الجد مسائل بدهية، وفى منتهى البساطة من الناحية التصورية، مثل تداعيات هذا القرار، «المستقبلى الرؤية»، من معضلات مركبة،
طالما تصاحب الحياة المدنية الحديثة، التى تحتم وجود تفكير وتخطيط جاد قبل القدوم على مثل هذه المشاريع- مثل مسألة مرور سيارات الإسعاف والإطفاء فى حى قد حشر فوق طاقته عشرات الأضعاف، ناهيك عن مشاكل ركن السيارات.. وهذا فى ناد قد اعتاد رواده، خلال السنين الأخيرة، ركن سياراتهم فى «تراك» الخيل، وفى صفوف متراكمة «فى الممنوع» فى الشارع الذى سيختنق بالكامل إذا استضاف مباريات للدورى فى كرة السلة مثلا.
هذا النمط العشوائى فى التفكير تصاحبه وتدعمه روح انتهازية، تستبدل قوة المنطق بمنطق القوة. فى هذا الإطار الصراعى تنبع الفوضى فى كثير من الأحيان من أعلى، لأن القاع صارت قمة فى هذا المجتمع.. فالحكم نفسه عشوائى ولا يهتم كثيرا بمواضيع تبدو فى ذهنه ترفيهية، كضمان وجود مسارات سالكة أمام عربات الإسعاف، لأن حياة الإنسان ليس لها سعر من الأصل.. فى هذا السياق يصبح دور الفرد الأساسى فى المجتمع هو خدمة العشوائية المفروضة المصحوبة بالمحسوسية المحسوبة.
إذا لم يكن الحال كذلك، فأين موقف أجهزة الحى والمحافظة من هذا المشروع؟ فلا أحد يتحرك حتى يطبق القوانين الموجودة فعلا، الضامنة لأدنى متطلبات التخطيط المدنى. ثم تقول السطات إنها تشرف على حقبة تحديثية لم ترها مصر منذ أيام محمد على. لكن فى الحقيقة إن إدارتها لعملية ال«تحديث» تلك لا تعكس إلا ظلمات العبثية والفكر البدائى العاجز عن التحليل والربط المنطقى العقلانى، الذى يجسد انزلاقاً ليس فقط نحو التخلف إنما أيضا نحو الموت.
ليتبين، فى التحليل النهائى، أن الإدمان الملحوظ لتدمير كل شىء جميل بدلا من إصلاح القبيح نابع عن مزيج من الهلامية وعدم المصداقية فى التفكير التى تنعكس فى النهاية على أرض الواقع. فعندما تستبدل السببية المنطقية والتفكير المنظم بال«سبوبة» والعشوائية تكون هذه هى النتيجة.
أتمنى أن أكون مخطئا، أتمنى أن يكون هناك أشخاص- فى مجلس إدارة النادى وفى الحى ومحافظة القاهرة- لديهم القدر الكاف من المصداقية والتركيز الذهنى لكى يتصدوا لهذه المسألة. فالتحديث الحقيقى يتطلب تصوراً يتعامل مع تفاصيل الجوهر، وليس فقط مع الصورة والمنظر، حتى لا تتحول الحداثة إلى كبوس عشوائى..
مرة أخرى: السيارات تحتاج إلى أماكن ركن، والمبانى الحديثة تحتاج شرياناً سالكاً مجاوراً ليحرك عربات الإطفاء، والتجمعات البشرية الكبيرة تحتاج كذلك لعربات إسعاف... إلخ. لذلك فإن بناء مبان مبهجة المنظر وسط المزيد من الخنقة والفوضى لا يمثل إلا خطوات للخلف.
وفى حالة نادى الجزيرة، هذا كله بالطبع يضاف إلى مسألة تدنيس و«تبويظ» هذا المعلب العريق، ال«سنتر كورت»، الذى لعب فيه بعض أهم أبطال التنس التاريخيين، فى سبيل الإلحاق بصورة سرابية بالحداثة.
أعتقد أن أى قرار بشأن الاستاد المزمع تشييده لا يأخذ فى الاعتبار كل هذه الأشياء هو إما نابع عن فكر عبثى يتجاهل أبسط أدوات المنطق والعقلانية، وإما أن أساساته ليست مفهومة، لأن حيثياتها خاصة بأصحابها، ولذا فالهدف منها لا يصب فى المصلحة العامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.