أذكر جيداً منذ سنوات عدة حوارات أجراها عبدالبارى عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس العربى اللندنية، مع أسامة بن لادن عندما كان يعيش مع الأفغان العرب فى كهوف على ارتفاع 3 آلاف متر عن سطح البحر فى تورابورا فى أفغانستان، ورغم أن أسامة بن لادن كان مطارداً إلا أن اللقاء الذى أجراه عبدالبارى عطوان اعتبر سبقاً صحفياً بكل المقاييس. وحسب تصريحات رئيس تحريرها باعت القدس العربى طبعات عدة، هذا الحوار كان عام 1997، وكان قد سبق للقاء بن لادن الصحفى البريطانى روبرت فيسك، ربما لم يكن أسامة بن لادن وقتها على شهرته الحالية، ولكن لم يكن أيضاً خالياً من التهم، وقد كان متهماً بترتيب هجوم على قاعدة أمريكية فى «الخبر» بالمملكة العربية السعودية عن طريق شاحنة ملغومة، وأسفر عن مقتل 19 جندياً أمريكياً. وأجرى فيسك الحوار وأجرى عبدالبارى عطوان الحوار الذى اعتبر أحد أشهر الحوارات فى تاريخ الصحافة المعاصرة. فكرت منذ أيام ما معنى كلمة سبق صحفى أو إعلامى؟ ما هو السبق؟ باختصار هو أن تسبق الآخرين سواء بلقاء شخصى أو بتغطية حدث، ولو افترضنا بالمقاييس المهنية الصرفة أن شخصاً ما التقى اليوم صدفة وهو جالس فى مقهى أو مار بشارع ضيق بأسامة بن لادن وأقنعه بإجراء حوار، ما الذى سوف يحدث؟ أولاً لن يجد صحيفة تنشر له هذا السبق، ثانياً سوف يُجر من ياقته كى لا أقول قفاه إلى ألف جهة للتحقيق معه، وآخرها إن نجا من تهمة الإرهاب سوف تلقى به تهم أخرى، والموضوع ليس عربياً فحسب، فالمعايير العالمية نفسها تغيرت.. نجح بوش أغبى رؤساء أمريكا فى فرض نظرية «من ليس معنا فهو ضدنا» على العالم، ومعه الإعلام.. ونجح فى إخضاع كل تصرف إلى نظرية أوامره، ونجح فى خلق حالات رقابة شديدة على الإعلام كله فى العالم.. من منا من العاملين فى الإعلام لا يحلم بإجراء لقاء مع بن لادن؟ أو أيمن الظواهرى؟ كثير من الصحف تضع محاذير على أشخاص وكثير من المحطات التليفزيونية أيضاً، ولذا فكلمة «سبق» أصبحت نادرة جداً مثل أن يتحدث شخص بعد طول صمت، كما فعل اللواء أحمد رشدى عندما فتح قلبه لى وأشكره على هذا من قلبى.. ومن يتحقق له سبق كهذا صعب أن يتكرر سبق آخر بنفس الأهمية، وفى عالم امتلأ بالصحف والتليفزيونات، حيث لم تعد هناك متعة ندرة اللقاء.. فالضيف يظهر كل يوم على شاشة ويبقى الحلم المهنى كالمستحيل.. لذا فكرت فى بن لادن والظواهرى.. فلقد أصبحا شخصيتين أقرب للخيال، تنسج عنهما الروايات ويحولهما البعض إلى أبطال، والبعض إلى ضحيتين، ومعظم الكرة الأرضية تتعامل معهما على أساس أنهما الإرهابيان الأخطر.. ولا أعتقد أن الحلم المهنى ممنوع، وأتخيل رحلة مصورة ولقاء من القلب مع أحدهما، ولكن هل الأحلام المهنية مسموح بها أم سأجد نفسى ملصوقة بتهمة وأقضى ما تبقى من عمرى فى جوانتانامو، الذى وعد أوباما بإقفاله ولم يف أو أوضع على القائمة السوداء، أو... وأترك لمخيلتى الباقى. [email protected]