ياسر أيوب يكتب: البابا شنودة

أظن أن هذا هو الوقت المناسب.. والضرورى جداً.. لأن أرسم وجه البابا شنودة على أوراقى وأطلب منه الصلاة من أجل منتخب مصر الذى سيلعب غدا أولى مبارياته فى نهائيات كأس الأمم.. مهم جدا أن نعرف كلنا أن مصر فى كأس الأمم تحتاج لصلوات البابا وكل الأقباط مثلما تحتاج لدعاء الشيوخ وكل المسلمين.. ف«كرة القدم» بقيت واحداً من مجالات قليلة - لكن واضحة وظاهرة ومؤثرة جداً - تتلاشى فيه أى فوارق وحدود وحساسيات بين مسلمى مصر وأقباطها.. يصبحون جميعهم مصريين فقط.. مواسم ولحظات كثيرة جداً مضت كانت فيها مصر تلعب،
وكان من المستحيل فى استاد القاهرة أو شوارعها أو شوارع أى مدينة مصرية أن تجد أى فارق بين مسلم وقبطى.. فى أوج لحظات الفرح والكبرياء الكروى، وفى قمة مواسم الوجع والأسى والغضب.. كنا كلنا مصريين.. وبدلاً من أن يخرج مفكرون ومثقفون وكتاب كبار يسخرون منى ومن كرة القدم ويرفضون أن تصبح هى المجال الذى تتجسد فيه مصريتنا وتزول فيه فوارق حقيقية أو وهمية بيننا..
تعالوا كلنا نبدأ بكرة القدم.. تعالوا نكف مرة واحدة عن السخرية من هذه اللعبة التى نجحت وحدها فى توحيد شعوب سويسرا تحت علم واحد، ونجحت فى القضاء على عصابات المخدرات فى كولومبيا، وأزالت الفوارق بين السود والبيض فى جنوب أفريقيا..
وقد شاءت المقادير أن يلعب منتخب مصر بعد أيام قليلة من جريمة نجع حمادى التى ارتكبها مصريون مجرمون وراح ضحيتها مصريون أقباط.. وكرة القدم لن تنجح أبدا فى مداواة جروح البيوت التى فقدت أجمل أولادها.. وكأس البطولة نفسها لو جاءت فلن تكون عزاء لأى بيت مسكون بالألم والحزن والمرارة.. ولكن ممكن فقط أن تنجح كرة القدم فى الإبقاء على جريمة نجع حمادى بحجمها الحقيقى..
ممكن جداً أن تتصدى كرة القدم لكل الدعاوى والمحاولات الساعية لتكريس الحساسية والفرقة والغضب الطائفى.. ممكن جدا أن نعود كلنا غداً مصريين فقط.. وأتمنى الآن أن يوافقنى البابا شنودة ويسمح لى بمشاهدة مباراة الغد معه..
أريد أن أكون شاهداً على البابا وكل القساوسة معه وهم يصلون من أجل مصر ومنتخب مصر.. فأنا لا أزال أعتز بقداسته صديقا وكاتبا وزميلا صحفيا رائعا.. لا أزال شديد الامتنان لحوارات طويلة دارت بينى وبينه عن الرياضة وعن كرة القدم.. وكونى أول صحفى يفتح له البابا كل صناديق الرياضة فى حياته وذاكرته وأول وآخر صحفى يدعوه البابا ليلعب تنس الطاولة فى دير وادى النطرون.. ولذلك أعرف تماما كيف يرى البابا الرياضة وكيف يؤمن بدورها ورسالتها وقيمتها أيضا..
وأتمنى الآن أن يسمح لى البابا بأن نعود ونلتقى من جديد، وأن أنقل لكثيرين جداً، سواء فى مصر أو خارجها، صورة بالغة الدلالة والصدق وحافلة بكل المعانى التى بدأت تطالها مخاوف وشكوك وأشواك لا داعى لها أو ضرورة..
ولكننى لن أكتفى بذلك.. وإنما سأطلب من البابا أيضاً أن يشرح للناس ضرورة أن تبقى الرياضة بعيدة عن أى حساسيات مسلمة أو مسيحية.. وأن هانى رمزى على سبيل المثال مدرب مصرى.. بعضنا ليس مقتنعا بأنه يصلح للمنتخب الأوليمبى، وبعضنا يؤيد اختياره لمهمته.. شأن كروى خالص لا علاقة له بالدين والعقيدة.. فكلنا فى النهاية مصريون.
yayoub@gmail.com