أنا وجورج

نصحنى صاحب الفرن عندما لاحظ كبر سنى وبهدلتى فى طابور العيش بأن أصلى الفجر ثم أحضر إلى الفرن مباشرة، لأحصل على ما أريد من الخبز دون مشقة.. وبحسن النية كرر صاحب الفرن نصيحته للعشرات غيرى من كبار السن، فإذا بى أفاجأ بأن ازدحام طابور الفجر أكبر من غيره! لاحظت تكرار وقوف أحد المواطنين خلفى فى الطابور،
هو فى مثل سنى تقريباً، ملامحه مألوفة لدىّ، ينظر إلىّ خلسة، وأنظر أنا إليه، فى يوم سمع صاحب الفرن ينادينى باسمى، ويبدو أن الذاكرة نشطت بعد أن سمع اسمى، فربت على كتفى وقال: حضرتك اسمك أحمد؟! تنبهت الذاكرة عندى أنا الآخر،
وإذا بى أقول له: وأنت جورج!! نسينا الطابور وارتمينا فى أحضان بعضنا البعض بالقبلات، فقد كنا زملاء الصبا فى التعليم الإعدادى منذ نصف قرن، وهات يا ذكريات الزمن الجميل، وحتى لا نعطل طابور العيش خرجنا من الطابور وأيدينا متشابكة، نتذكر الفسحة الكبيرة فى المدرسة، التى كنا نتناول فيها الغداء، ثم ماتش الكرة الشراب مع الزملاء ألبير شحاتة اليهودى وعلى محمود ابن إمام المسجد الكبير ببلدتنا وباقى الشلة التى لم نكن نعرف فيها من هو المسلم ومن هو المسيحى..
وفى المساء كنا نتجمع نذاكر فى منزل كل واحد منا يوماً، وتذكرنا قصة زميلنا الذى جاء لمدرستنا وافداً عام 1955، وكان اسمه الثلاثى نبيل نجيب عوض، وظن جميع الطلبة بمن فيهم مدرس الدين أنه مسيحى، وكالعادة كنا ننقسم فى حصة الدين فالمسلمون مع مدرسهم، والمسيحيون مع مدرسهم، وكان مدرس الدين الإسلامى يتعجب لجلوس الطالب نبيل مع الطلبة المسلمين ولم يسأله لماذا؟! لم يخطر على بال أحد أى استغراب أو تعنت حتى اكتشفنا أن اسمه كاملاً نبيل نجيب عوض محمد مصطفى!!..
وحدة وطنية ومشاركة لا يفرقها شىء، وفجأة تنبهنا على صياح صاحب الفرن أن الخبز نفد، وصرخنا معاً كمن لدغهما عقرب، فمعنى ذلك أن أسرتينا ستقضيان اليوم دون خبز، وبالكاد دبر لنا صاحب المخبز عشرة أرغفة من الخبز من حصة عماله، قاسمتها مع جورج.. وتركنا المخبز وأيدينا متشابكة نضحك على وعد باللقاء مع معاناة جديدة فى طابور اليوم التالى، ودعاؤنا لله الواحد أن يرفع كربه عنا جميعاً.
مهندس/ أحمد صالح - ميت غمر