ماذا بقى ليعلن الوليد بن طلال استقلال «إمارته فى توشكى»، ثم يبدأ فى اتخاذ جميع إجراءات الدولة المستقلة على مئات الآلاف من الفدادين التى حصل عليها فى أراضى المشروع بثمن بخس جداً، دون أن ينجح البائع «الخيبان» فى الحصول منه على أى التزام، أو فائدة واضحة ومباشرة. يكفى أن تقرأ بنود العقد، الذى انفرد الزميل متولى سالم بنشره فى «المصرى اليوم»، لتكتشف أن الدولة كانت قاب قوسين أو أدنى من منح الوليد «حكماً ذاتياً» على فدادينه، أو حق تقرير المصير، إما الاستمرار فى الوحدة مع مصر أو إعلان الاستقلال فى دويلة مستقلة. اشترى الوليد 100 ألف فدان، ثم حسب «المصرى اليوم» زاد مساحته 128 ألف فدان إضافية أو أكثر، بسعر 50 جنيهاً فقط للفدان، وقد يكون هذا التسهيل المفرط مفهوماً إذا كان الوليد سيفيد البلد فى إنشاء مرافق لأرضه، واستخراج مياه جوفية، والصرف على بنية تحتية، والالتزام بجدول زمنى محدد للإنتاج يتوافق مع أهداف الدولة ومصالحها أو سيدفع ضرائب أو فواتير كهرباء وطرق وخدمات، لكن الدولة بكرم خيالى منحته الفدان بسعر «تذكرة سينما» ولم تحصل منه إلا على 20% فقط من الثمن، وأعفته من كل الالتزامات، وأعطته حق تقسيط باقى المبلغ فى المواعيد التى يحددها، ويحصل على حق الامتلاك المطلق لكامل أرضه، وأن يسجلها باسمه، على أن تلتزم الحكومة بتقديم ضمانات خطية ضد نزع الملكية أو مصادرة الأرض المذكورة، وهو حق لم تمنحه الحكومة حتى الآن لمواطنين مصريين فى سيناء. أضف إلى ذلك أن الأرض لن تكون خاضعة لأى رسوم، أو ضرائب، وبينما يسلخ سوط الضرائب المصريين يعفى منه الوليد، بل إن الدولة واصلت تأمينه فى المستقبل، تحسباً لأى تغيير قد يأتى بحكومة ذات «ضمير»، بالنص فى العقد على أن الأرض «لن تكون خاضعة لأى أنظمة تخطيط أو إنشاء فى المنطقة، كما لن تخضع لأنظمة التقسيم إلى مناطق فى الحاضر أو المستقبل». الحكومة أيضاً ملتزمة بتوفير المياه، وتشييد خطوط الرى ومحطات الرفع على نفقتها، وتضمن الحكومة عدم إيقاف أو قطع هذا الإمداد للمياه فى أى وقت ولأى سبب مهما يكن، كما يمنح العقد للوليد الحرية فى وضع جدول تنفيذ المشروع بناء على مطلق إرادته، غير التزامها ب«الترفيه» عن عمال الشركة ومهندسيها! لم يدفع الوليد إذن ثمناً مناسباً للأرض، ولن يدفع ضرائب من أى نوع، وسيحصل على جميع الخدمات من كهرباء وطرق ومرافق مجاناً أو بأسعار خاصة، ولا يوجد ما يلزمه بشىء فى الإنتاج سواء توقيتاته أو أنواعه.. فهل هناك عاقل فى النظام يمكن أن يخرج الآن ليقول لنا: «لماذا؟» أو أن يحاول أن يحسبها معنا بمعايير المكاسب والخسائر ليقول لنا إن كانت الدولة حصلت من هذه الصفقة على أى مكاسب؟ ستقول إن البائع «خيبان» أو المشترى «شاطر» إلى درجة تفوق الخيال، أو فى الأمر «إنّ» كبيرة جداً، تعود بالبلاد إلى عصور الامتيازات الأجنبية، وتسمح بوجود دويلات داخل الدولة لا تخضع لشرعيتها ولا لإشرافها، ولا لقوانينها، وتستوجب مساءلة عاجلة جداً ومسؤولاً أمام الرأى العام، وحتى تجد عندك يقيناً ما، ليس أمامك سوى الهتاف بأسى «تعيش أرض الوليد حرة مستقلة.. وذات سيادة أيضاً».. وعلى المتضرر اللجوء إلى الدعاء على من كان السبب..! [email protected]