فوجئت بالعجوز الطيبة بعد أن انتهت من صلاة العشاء تسألنى إن كانوا فعلاً قد فرضوا ضريبة على الهواء؟ أدهشتنى وأضحكتنى براءتها ومن معى من بناتها وضيفاتهن.. وأخافتنى فى الوقت ذاته من أن تكون قد انكشف عنها الحجاب فاستبقت الأحداث وتجلّى لها ذلك، فما كان منى إلا أن قلت لنفسى فى صوت، ربما كان مسموعا، (فال الله ولا فالك يا خالتى).. لم يأت تعليقها من فراغ فقد كانت تستمع على البعد إلى بعض ضيفات مجلسها وهنّ يسألننى عن سوق العقار فى مصر رغبة منهن فى بيع ما لهن من عقارات هناك قبل أن تُقَرر الضريبة العقارية ويهبط سعر العقار لارتفاعها فوق قدرة المالك.. وما ستسببه من مطبّات فى الميزانية للمستثمرين.. هذا فيما يخص المستثمر!! فكيف بمن باع بيته وكل ما يملك وجاء يبحث عن الأمان هنا فى أحضان مصر؟.. نعم الأمان المفقود فى بلاده الذى وجده بين جدران منزل مفروش بدفء الطمأنينة فى هذه الأرض الطيبة.. منزل يقيه ويقى أسرته نيران التفجيرات وزخات الدماء.. ويحميه من غائلة الخطف والقتل والسلب.. ولا يهمه عدا ذلك إن توفرت له وجبة أو وجبتان، خاصة ممن هم تحت رحمة المعاش التقاعدى المحوّل إليهم من العراق الذى لا يكاد يفى بنصف المتطلبات اليومية..!! فكيف لمثل هذا أن يدفع ضريبة عقارية ومن أين يأتى بها؟ ربما سيقول قائل وينصح ببيع العقار واستبداله بأصغر ليسدد الضريبة من فارق السعر.. ليقفز السؤال الأهم: وماذا سيفعل لو لم يتبق لديه شىء من ذلك الفارق؟ هل يبيع مسكنه ويفترش الرصيف؟! سادتى مسؤولى القرارات وقوانين الضريبة العقارية (ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء)، المسكن الخاص أمل أى كائن بدءاً من الإنسان وحتى أصغر حيوان.. المسكن سكون وخصوصية وأمان.. أسرة وأسرار وذكريات ممتدة وجيرة وروابط إنسانية لا يجوز أن يفتتها قانون قاس غير مدروس بعمق، فإن كان ذلك لمصلحة الدولة فهناك الكثير من الأوجه التى تستطيع الدولة إخضاعها للضريبة العقارية.. وإن كان ذلك أسوة بما يفعله الغرب بمواطنيه، فالمقارنة غير عادلة، فالغرب يأخذ ليعطى ويقدم خدمات تتناسب مع ما يأخذه.. فمن بدل بطالة يؤمن للعاطل ما يحتاجه حتى يجد عملاً إلى تأمين صحى مجانى عالى المستوى لا يحتاج إلى واسطة أو نثريات تعادل ثمن العلاج فى مستشفى خاص.. وتعليم مجانى راق لا يثقل الكاهل بالدروس الخصوصية.. هذا غير الأرصفة والمجارى والنظافة ووسائل النقل الأمينة وضيق الفجوة بين المسؤول والمواطن والترفع عن الطبقية واستكثار الرفاهية على المواطن.. وارتفاع مستوى الدخل الذى يسمح بدفع الضريبة.. سادتى صنّاع القرار.. ليس هناك من يرفض ضريبة تؤخذ على عقار ذى عائد مادى (مؤجر)، فالدولة لها كامل الحق فى ذلك وليس لمواطن اعتراض على دفع ضريبة عند البيع ودفع رسوم تسجيل وماء وكهرباء وغير ذلك مما توفره الدولة من خدمات.. أما السكن الخاص فليتكم سادتى تنظرون إلى هذا الأمر بإنسانية متناهية خاصة لمن لا يملك إلا مسكنا واحدا ودخلاً يكاد يكفيه شر الحاجة.. وليتكم سادتى تنظرون إلى ما سيخلفه هذا القرار من سلبيات على سوق العقار والسياحة والعمالة والاقتصاد فيما لو باع المقيمون والمستثمرون عقاراتهم.. المعذرة لو خضت فى موضوع ربما يعتبره البعض خاصا.. وأراه عاما للمقيم فيه مثلما لابن البلد.. هذا إن لم أكن فعلا ابنة بارة بهذا البلد.. سادتى.. مصائر الكثير من المعتكفين فى محراب مصر تقع بين مطرقة الضريبة وسندان الرواتب المتواضعة.. وكلهم يضعون ولاءهم وانتماءهم وعشقهم لمصر بين أيديكم معطرا بعبارة (لا للضريبة على السكن الخاص).. سادتى نطلبكم الأمان من الخوف المتعلق بكل فكرة جديدة أو قانون، فقد أصبح البعض لا يستبعد الضريبة على ما هو داخل البيوت من أسرّة وأنتريهات تجعلنا نتدرب منذ الآن على افتراش الأرض.. إليك: أشتاق إليك يا خلاصة السلسبيل.. يالتميمة البابلية المعلقة فوق المصير.. أشتاق إليك أرددها حتى يتوقف النفس المتعب وتذوب آهات الصد والبعد والوجد.. والتساؤلات الحذرة والردود البلهاء.. أشتاق إليك.. أبحث عنك فى عيون المهاجرين والعائدين.. بين حروف القصائد.. بين أنفاس العاشقين.. أشتاق إليك يالمفقود الموجود.. الغريب الحبيب.. المفترش شغاف الروح.. الرمز المختبئ بين طلاسم الأحلام.. أشتاق إليك.. تعال.. اتعبنى البحث بين الحقيقة المستحيلة والخيال السابح فى فضاءات اليأس.