أذاع السفير سليمان عواد سراً، حين قال إن الولاياتالمتحدة عرضت على الرئيس مبارك استضافة عملية إطلاق المفاوضات المباشرة فى شرم الشيخ، ورد الرئيس مبارك قائلاً: «لو حضر الرئيس أوباما فأهلاً وسهلاً»، ومن هنا حدث التحول واستضافت واشنطن إطلاق المفاوضات، وكانت الفرصة الكبرى لجمال مبارك. قبل يومين من سفر الرئيس مبارك، والوفد المرافق له، ملأت الشارع السياسى أسئلة من نوعية: هل يسافر جمال مبارك مع الرئيس أم أنه سيبقى فى القاهرة حال غياب الرئيس؟ وتحت أى مسمى يحضر إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟.. ولم يكن أحد لديه إجابة إن كان «جمال» سيسافر أم سيبقى، لا إجابة لدى المواطن، ولا إشارة فى الصحف ولا نشرات الأخبار. اقتصرت نشرات الأخبار على بدء جولة الرئيس إلى باريس، ومنها إلى واشنطن، كما اقتصرت على ذكر أعضاء الوفد الرسمى المصاحب للرئيس، والمكون من أحمد أبوالغيط، وأنس الفقى، وعمر سليمان، وزكريا عزمى، ولا توجد إشارة واحدة إلى اسم جمال مبارك دون أن نعرف هل هو استشعار للحرج أم أنه من الخطأ الإشارة إلى اسم «جمال» أم أن وجود «جمال» لابد أن يبقى سرياً ولابد أن تبقى زيارته سرية؟! ومسألة «السرية» تكشف عن غموض كبير، أو تخفى شيئاً تريد القيادة المصرية أن تخفيه، فى زمن لم يعد فيه شىء «سرى»، هذا الشىء هو «التوريث»، وتمكين «جمال» من خلافة والده، بخاتم أمريكى، وموافقة أمريكية، أو توريط أمريكا فى قضية «التوريث» للإيحاء بأنها راضية وأوباما راضٍ، وهى مسألة تجعل مصداقية الإدارة الأمريكية على المحك فى أمور كثيرة، يأتى التوريث على قمتها. وبهذا التصور تصبح واشنطن أفضل من الناحية السياسية والعملية، مقارنة بشرم الشيخ بالنسبة لحضور جمال مبارك، فحضور جمال مبارك فى شرم الشيخ أمر عادى لا يثير الأسئلة، ولا علامات الاستفهام، كما أنه قد لا يلفت نظر أحد إلى مسألة «التوريث» و«الخلافة» ولا يعطى الدلالة المطلوبة، التى قد تعطيها دلالة حضوره فى واشنطن، ثم يلتقى بعدها بمسؤولين أمريكان أو غيرهم من الإسرائيليين. ولا أستبعد هنا أن تكون رغبة الرئيس مبارك لحضور إطلاق المفاوضات فى واشنطن، أهم ألف مرة مما لو تم إطلاقها فى شرم الشيخ، إن كان ذلك يكلف الرئيس مبارك جهداً كبيراً، فى ظل الظروف الصحية التى نعرفها، وبالتالى يريد الرئيس أن يرسل رسالة، مضمونها أن «جمال» أصبح مهيأ للخلافة، وأنه لديه إحاطة بكثير من الملفات، ربما يكون على رأسها الملف الفلسطينى الإسرائيلى، وهو ما يجعل كلاً من تل أبيب وواشنطن أكثر هدوءاً وهو المطلوب إثباته. نفهم من كل ما سبق أن المهمة الأولى للزيارة الرئاسية، هى إطلاق جمال مبارك رئيساً، قبل إطلاق المفاوضات المباشرة، ونفهم أيضاً أنه يمثل مصر فى هذه المفاوضات رئيسان أحدهما مبارك الأب، بما له من قيمة ومكانة، والآخر هو مبارك الابن، كرئيس تحت التمرين، مازال ينتظر الاعتراف الدولى، كما ينتظره الفلسطينيون تماماً بتمام. وأظن أن الاعتراف الوطنى أهم من الاعتراف الدولى، وأظن أن الاعتراف المصرى كان أولى، وأظن أن إطلاق المفاوضات الداخلية بين المصريين أهم ألف مرة من إطلاق المفاوضات المباشرة من واشنطن، وأظن أيضاً أن هذه مسائل كان يجب أن يستوعبها الرئيس مبارك، سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى حتى لا نقول، فى كل مرة، إن الفاعل ضمير مستتر تقديره جمال مبارك.