يقف حزب السلطة بجميع هياكله، ومن أمامه ومن خلفه كل إمكانات الدولة، فى حالة تأهب كامل دعما وتأييدا ومساندة لجمال مبارك الذى يحتل منصب أمين السياسات، فضلا عن الأمين العام المساعد للحزب الوطنى، كى يصل به إلى موقع الرئاسة الذى ظل يحلم به ويتمناه هو والطاقم الجديد الذى صبر طويلا وجاهد ببسالة أملا فى أن يحقق آماله وأحلامه فى الثروة والسلطة. وليس بخاف أن بعض الأجهزة المعنية تقوم بتعبيد الطريق بكل الوسائل التقليدية وغير التقليدية لإتمام عملية الوصول بأقل التكاليف والأعباء الممكنة. ولاشك أن الانقلاب على الدستور فى 34 مادة منه فى منتصف عام 2007، لعب دورا أساسيا فى الدفع فى هذا الاتجاه، علاوة على عمليات التلميع المختلفة التى تجرى على قدم وساق، والتى نراها من خلال الزيارات التى يقوم بها للقرى، والظهور المستمر والدائم فى الصحف المسماة بالقومية. كل ذلك يتم ويلاحظه القاصى والدانى، غير أن التوقعات تتفاوت وتتباين، فمن قائل إن المسألة أصبحت فى حكم المنتهى، ومن قائل إن المسألة لم تحسم بعد، ومن قائل إن الأمر مستبعد ولا يتم التفكير فيه على هذا النحو. لقد كان حزب السلطة مطمئنا تماما لفوز الرئيس مبارك عام 2005م لأسباب كثيرة، أهمها: الرئيس مبارك نفسه، عدم وجود منافسين حقيقيين، تكتل كل أجهزة الدولة وراءه، عدم وجود تحرك شعبى عام ضد الرئيس مبارك. الوضع هذه المرة ربما يكون مختلفا وقد لا يتوافر له نفس الزخم الذى كان موجوداً، فى حالة ما إذا ترشح جمال مبارك، فبعض المؤسسات ذات الثقل ربما لاترى الأمر مناسبا، والتاريخ غير التاريخ، ثم الرفض الشعبى والنخبوى على اعتبار أن المسألة فى حقيقتها توريث للسلطة، وإن حاول البعض إلباسها ثوبا دستوريا، وبالتالى يصبح ترشح الرئيس مبارك هو الأقرب إلى الاحتمال حاليا. فى اعتقادى أن ظهور الدكتور البرادعى فى هذا التوقيت رغم تقديرنا واحترامنا يجب أن يوضع فى إطاره الطبيعى وفى سياقه العام، بغض النظر عمن سيكون مرشح الرئاسة القادم. أولا: الذين يقفون وراء الدكتور البرادعى ليسوا أكثر من تكتل نخبوى لا يمتلك جذورا منظمة لها امتدادها وتشعبها فى الشارع المصرى، ربما كان هناك قطاع من الجماهير ذات الاهتمام بالشأن العام تنضم لهذا التكتل، لكن تنامى هذا القطاع فى الأشهر المقبلة سوف يتوقف على عوامل عدة، ثانياً: هذا التكتل النخبوى كان يبحث أو ينتظر المنقذ أو المخلص الذى ينتشله من حالة اليأس والإحباط التى يعيشها، ويعيشها معه الشعب المصرى، وربما وجد بغيته فى شخص الدكتور البرادعى، لكن عليه أن يدرك أن الطريق أمامه شاق وطويل ويحتاج إلى حركة دائمة وعمل دؤوب وهمة عالية وعزم صادق، ثالثا: صحيح أن الدكتور البرادعى كان ناجحا فى مهمته الدولية، وصحيح أيضا أنه رجل نظيف ولم تتلوث يده بفساد، لكن معترك السياسة فى مصر وتعقيداتها وتشابكها شىء آخر. أنا هنا لا أريد أن أصيب من يقف وراء الرجل بشىء من الإحباط أو أن أقلل من وهجه وتدفقه، بقدر ما أريد أن ألفت الانتباه إلى عدة أمور على درجة كبيرة من الأهمية: 1- إن الشعب المصرى منهك ومطحون ومشغول بلقمة عيشه، فضلا عن سلسلة الأزمات الخانقة التى تحيط بعنقه مثل البطالة والغلاء الفاحش فى الأسعار والتدنى فى الأجور ومشكلات التعليم والصحة والإسكان والمواصلات، وإن لم يكن هناك استنفار حقيقى لهذا الشعب فى هذه المرحلة فلن يستطيع الرجل أو غيره أن يفعل شيئاً. 2- إن الرجل لم يحسم موقفه بعد بالنسبة لطبيعة الترشح، فهو يريد أن يترشح مستقلا، بعيدا عن أى حزب، وهذا الوضع سيجعل الترشح بالنسبة له مستحيلا، ثم إن الشروط التى وضعها لن يستجيب لها النظام ولو على «رقبته»، إضافة إلى أن الظروف الدولية الآن مختلفة عما كانت عليه عام 2005. 3- هل الدكتور البرادعى لديه القدرة والحنكة على أن يشكل مجموعات أو فرق عمل جادة ومخلصة، فضلا عن كفاءتها وقدرتها فى رسم الخطط والبرامج والحركة الواعية والفاعلة وسط الجماهير، وأن ينزل إلى الشارع، وأن ينتقل إلى المدن والقرى حتى يلتقى جماهير الناس على اختلاف فئاتهم وشرائحهم، وأن تكون لغته سهلة وبسيطة وتمس واقع الناس؟ 4- يجب ألا ننسى أن هناك قانون طوارئ يقف عنده الدستور وتتهاوى أمامه الحقوق العامة والخاصة للمواطن، وأننا نعمل فى غابة من الإجراءات الاستثنائية، وأن عدم الالتزام بتنفيذ الأحكام القضائية هو من سمات المرحلة التى نعيشها، وأن تزييف إرادة الأمة أصبح من لوازم حياتنا. تلك هى أهم التحديات الداخلية من وجهة نظرى التى تواجه الدكتور البرادعى، ومن حقه على من يقف وراءه أن يضعها أمامه وأن يتناقش معه فيها بكل الصدق والصراحة والموضوعية، فالأيام القادمة حُبلى بأشياء كثيرة، والأوضاع الإقليمية والدولية ليست بمنأى عما يجرى فى مصر، ونسأل الله السلامة. فيديو عودة البرادعى على الرابط التالى: http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video/el-baradei-returns