لم يكن فقدان البصر عائقاً أمامها، فتاة صعيدية فقدت بصرها فى سن الحادية عشرة، تخرجت من مدارس النور والأمل والتحقت بكلية الآداب.. هناك درست الاجتماع وتفوقت، حصلت على الليسانس، وبدا أن الحياة سوف تبتسم لها «بعد التخرج أكتر من زميل فى النور والأمل اتقدم عشان يطلب إيدى.. أهلى رفضوا، كانت فكرة الارتباط برجل كفيف مستحيلة عندهم، كانوا عايزين عريس بيشوف.. حاولت اتكلم بس هاعمل إيه يعنى انا بنت وكفيفة وعايشة فى النور والامل بعيد عن أهلى فى أسيوط.. فى الآخر وصل سنى ل 38 سنة ولسه بنت». (ذ. م) أكملت مشوارها مع أطفال النور والأمل، لم تستسلم لحكم العائلة ولم تكف عن الأحلام رجعت للنور والأمل.. بيتى اللى ما أعرفش مكان غيره وقضيت فيه أغلب سنين عمرى وكل الناس هنا عارفينى وأنا عارفاهم.. دلوقتى بعلم الأطفال المكفوفين القراءة بطريقة برايل.. بعلمهم مش بس لأنى بشتغل هنا لكن بحس إنهم ولادى واللى باقيين لى خاصة بعد أهلى ما قاطعونى. الأسرة التى تعاملت مع فقدان بصر خريجة الآداب بالتجاهل، ورفضت زواجها من خطاب طرقوا الباب متوقعين القبول قررت الأسرة مقاطعة ابنتهم «مافيش حد منهم بيسأل عنى ولا عن أحوالى.. أنا عايشة لوحدى فعلا.. مافيش غير أخويا الله يكرمه هو الوحيد من أهلى اللى بيسأل عنى وبيزورنى أما الباقى فمش فاكرة آخر مرة جم لى كانت إمتى بالظبط يمكن من سنين ولا حاجة زى كدا». تعيش (ذ.م) فى جمعية النور والأمل، تعلم الأطفال صباحا، وتحاول التغلب على كل هذه الوحدة ليلا «أنا خايفة أكمل وحدى.. خايفة أعيش كدا فى الضلمة والوحدة.. حاسة بخوف كبير أوى وندم على عمرى اللى بيضيع وبحس بيه ومش قادرة أعمل حاجة. خلاص أنا فقدت الأمل فى الجواز بظروفى دى.. وبحاول أتأقلم وأرضى بقضاء الله وقدره.. بحاول أتكيف مع الآخرين والحاجة الوحيدة اللى بتساعدنى هى الأطفال بحس إنهم ولادى بجد ماليين عليا الدنيا فعلا.. ومافيش حاجة مزعلانى قد مقاطعة أهلى.. أنا كنت مرتبطة بيهم أوى ولولا زيارات أخويا الفردية مش عارفة كان جرالى إيه». بين الأطفال تعيش خريجة الآداب، تبدو مبتسمة على الدوام وهى تسمع صياحتهم «يا أبلة».. تبتسم وتدرب أصابعهم الصغيرة على البحث عن نور آخر يخرج من بين الكتب ليضىء الأرواح التى تعيش وحيدة فى الظلام.