لا. لم ير الحب سكارىً بروعة متحف «نوعى» فى مصر، على الأقل حتى الآن، مثلما رأى فى المانسترلى بروضة المنيل– مع الاعتذار لأم كلثوم. كسرت كوكب الشرق القاعدة، وحطمت التوقعات بأن يكون متحفها مجرد قاعات تضم مقتنيات متناثرة لها بلا اكتراث أو عناية. ربما يعود ذلك إلى أن إحدى الشركات الإيطالية المتخصصة فى الفن المتحفى هى التى أشرفت على تنسيقه وعرض محتوياته، بحسب مسؤولى المتحف. بتنسيق فنى جميل وطريقة عرض بديعة، يستقبلك منديل أم كلثوم ونظارتها المرصعة بالألماس عند المدخل، لتدلف إلى متحف يمكن أن تتجول فيه ساعات، رغم صغر مساحته، متنقلا بين الواجهات الزجاجية التى تعرض عود الست ودبوسها الهلالى الشهير، وفساتينها وأحذيتها وحقائبها وقفازاتها ومفكراتها اليومية، فضلا عن خطابات شكر لها من الملك فاروق والرئيسين عبدالناصر والسادات على مجهوداتها وتبرعاتها من أجل الحرب. هكذا تتعرف على المواطنة أم كلثوم، فنانة وإنسانة. وبحنين للزمن الجميل، يطالع كبار السن أول عقد أبرمته كوكب الشرق مع الإذاعة عام 1934 مقابل 25 جنيها للحفلة، وأول «ميكروفون» غنت فيه، وجهاز ال«بيك آب» الخاص بها لتشغيل الأسطوانات. كما يمكنك الاطلاع على تعديلات أجرتها بخط يدها على مسودات أشهر أغانيها من إبداعات الأحمدين، رامى وشوقى، وغيرهما. كل هذه الوثائق النادرة والمرممة بأحدث التقنيات محفوظة، بعناية فائقة، وتحت نظام إضاءة ممتاز، وهواء ذى مواصفات خاصة تقيسها أولاً بأول أجهزة ضبط الرطوبة. وبعد استعراض المجموعة الرفيعة من القلادات والأوسمة والنياشين التى حصلت عليها أم كلثوم فى حياتها، ومشاهدة مجموعة الصور المجمعة «الكولاج»، تتوحد معها، شابا كنت أم كهلا، داخل قاعة السينما التى تعرض فيلما تسجيليا عن حياتها مدته 25 دقيقة. ترتحل معها من السنبلاوين إلى عابدين إلى باريس، ومن إحياء الأفراح والموالد إلى المحافل الملكية، كل ذلك المشوار مع خلفية موسيقية تبدأ بأنغام «إنت عمرى» وتنتهى ب«الأطلال». إلى جانب قاعتى السينما والبانوراما التى تعرض أيضا مجموعة منتقاة من صورها النادرة، هناك المكتبة «السمع-بصرية» التى تحوى مؤلفات كتبت عنها وأرشيفا لكل ما خطته عنها الصحافة المصرية. وخلافاً لباقى المتاحف التى تذرع مسؤولوها لعدم إدخال التقنيات الحديثة ب«جهل الزوار وعدم وعيهم»، لم يبخل متحف أم كلثوم بتوفير 5 أجهزة كمبيوتر حديثة مزودة بشاشات تعمل باللمس وتعرض كل المعلومات الممكنة عن كوكب الشرق، من الولادة إلى الممات، فضلاً عن مجموعة نادرة من صورها وملفات موسيقية لأغانيها. وعن صيانة تلك الأجهزة والتعامل مع عدم وعى البعض بآلية استخدامها، رد أحد مسؤولى المتحف ببساطة «بنتصرف.. أثناء الرحلات المدرسية، نقسم الطلاب على أفواج لدخول القاعة، على أن يكون معهم مرشد يوجههم لطريقة الاستخدام الصحيحة.. الأمر بسيط». رغم كل ذلك، لا يرضى مسؤول المتحف اللواء محمود محمد سعد عنه، ويؤكد أن القائمين عليه لا يتوقفون عن التخطيط لترميم مقتنياته النادرة، وتحديث وسائله السمعية والبصرية، وربما لهذا الدأب، نجح متحف أم كلثوم ورسب غيره. وربما لهذا الدأب أيضا، يجبرك متحف أم كلثوم على معايشة حالة الوجد التى كان يعيشها عشاق كوكب الشرق كل خميس فى حفلاتها الشهرية، رغم مرور 35 عاما على رحيلها، لتصيح ملء فيك بنشوة «عظمة على عظمة يا ست».